مات بجسده لكن روحه خالدة ترفرف بين صفحات كتبه التى ينهل منها الدارسون والباحثون، إنه الناقد والأديب الكبير الطاهر مكى عالم الأندلسيات الذى أبحر فيها دون أن يضاهيه أحد وحتى الآن لم يكن له منافس فى هذا العالم الذى غاص فيه ليخرج كل كنوزه لتكون بين يدى تلاميذه ومريده . كان الطاهر مكى واحدا من أعلام المحققين الكبار الذين قدموا التراث تقديما علميا موثقا وبارعا وكانت دراسته فى كلية دار العلوم وحفظه للقرآن الكريم من خلال تعلمه فى المعهد الأزهرى ساعده كثيرا فى الغوص فى أعماق اللغة والأدب العربى حتى صار أحد روادها الكبار . حالفه الحظ منذ لحظة ميلاده، حيث شهدت قريته بناء أول مدرسة كان قد بناها الزعيم سعد زغلول وبجانبها بنى معهدا أزهريا، ليتلقى الطاهر مكى دروسه الأولى فى هذه المدرسة وبعدها يلتحق بالمعهد الأزهرى ومن هنا تبدأ مرحلة التكوين والنضج الفكرى. ليقرر صاحب الأندلسيات فى الأربعينيات أن يبدأ مرحلة جديدة من حياته وكانت بدايتها بترك القرية التى تربى فيها ليأتى إلى القاهرة، ليتلقى تعليمه الجامعى فى كلية دار العلوم ينهل من علومها ويصول ويجول فى كتب التراث والأدب العربى والشعر العربى ما أهله للجمع بين علوم شتى وأكثر من بضاعة فى آن واحد ، ما جعله يقضى عمره فى تدريس هذه العلوم فى بقاع شتى من الأرض تاركا وراؤه إرثا ثقافيا كبيرا وتلاميذ يبحثون فى عالمه الكبير الواسع . شغل مكى عدة مناصب فى قطاعات التعليم المختلفة ، وحصل على عضوية المجالس واللجان المتخصصة للشئون الثقافية الأدبية، وألف 12 كتابا فى الشعر العربى المعاصر وأدب القصة، وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة منها جائزة الدولة التقديرية عام 1992 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى . كان شغوفا ومتطلعا على الفكر الأوروبى القديم والحديث، سافر إلى إسبانيا "بلاد الأندلس" وهناك غاص فى بحور الأدب الأندلسى حتى صار أهم وأشهر كتاب الأندلسيات فى العالم. يذكر له أنه أخذ على عاتقه محاربة تفشى اللغة الفرنسية فى الوطن العربى خصوصا المغرب العربى فكان من ضمن الأساتذة الجامعيين الذين سافروا إلى هناك وتحديدا دولة الجزائر وهناك درس د. الطاهر مكى الأدب المقارن فى واحدة من أهم جامعات الجزائر العلمية، وترجم للجزائريين ملحمة السيد وهى أول ملحمة ترصد الالتقاء الأول بين المسلمين والأوروبيين فى مملكة قشتاله" وترصد أثر العرب وأدبهم على المجتمع الأوروبى. وترك العديد من المؤلفات فى مختلف ميادين الأدب ليرحل عن عالمنا وليكون شهر أبريل هو شهر مولده وشهر مماته، رحم الله ذلك العالم الجليل والناقد الكبير الذى كان يحرص على حضور محاضرات الدكتور طه حسين فى إحدى قاعات الجامعة الأمريكية ليسطر موته وفاة آخر تلاميذ ومريدى طه حسين .