خديجة براق: رئيس الحكومة الجديد يحسن لغة التواصل وعلى دراية بمجريات اللقاءات التى أجراها سلفه «بن كيران» مع الأحزاب الأخرى العاهل المغربى يختار رئيسا للحكومة من الإخوان المسلمين فى رسالة بأن القصر لا مشكلة له مع حزب العدالة والتنمية
بعد فترة طويل قضاها المغاربة فى مرحلة ما يسمى (بالبلوكاج) السياسى والمقصود بها مرحلة الصمت الذى أفضى إلى اختيار الملك المغربى محمد السادس، الدكتور سعد الدين العثمانى وزير الخارجية السابق ورئيس المجلس الوطنى لحزب العدالة والتنمية الإسلامى رئيساً للحكومة بعد إقالة عبد الإله بن كيران الذى كان ينتمى للحزب نفسه. وباختيار العثمانى أصبحت الحكومة المغربية يسيطر عليها حزب ينتمى إلى الإخوان المسلمين ولكن كان أكثر ما أثير حول اختيار العثمانى على شبكات التواصل الاجتماعى أنه عمل لسنوات طبيباً نفسياً قبل أن يفتتح عيادة فى الرباط وهو خريج كلية الطب بالدار البيضاء، وعمل فى أشهر مستشفيات الأمراض النفسية فى المغرب. وقال المغردون إن المغرب وبعض من سياسييه "بحاجة لطبيب نفسانى يُواجه عقدة الحكومة التى فشل عبد الإله بن كيران فى تشكيلها". وكتب بعض السياسيين أن أهم رسالة وجهت إلى حزب العدالة والتنمية، هى أن المؤسسة الملكية لا مشكلة لها مع هذا الحزب وأن يدها مازالت ممدودة للاشتغال معه وأنها ليست معنية على الإطلاق بما يروجه خصوم هذا الحزب الأيديولوجيين حول ولائه لجهات خارجية مادام القصر مقتنع بأنه حزب وطنى. أما الرسالة الثانية التى ترددت أيضا بين المغاربة فقد وجهت إلى الطبقة السياسية وبالتحديد إلى الأحزاب السياسية التى لعبت دورا رئيسيا فى بلوكاج تشكيل الحكومة الذى كان من تبعاته إزاحة بن كيران من رئاسة الحكومة وهى إصرار الملك ورسالته للعثمانى أنه "مازال متمسكا بالعمل مع حزب العدالة والتنمية، لأنه من غير الممكن بعد هذه الإشارة الواضحة الدلالة على المستوى السياسى أن يسير أى حزب سياسى معنى بالمشاورات السياسية لتشكيل الحكومة فى الاتجاه المعاكس، وهذا ما بدا جليا فى تصريح عزيز أخنوش الذى رحب فيه بتعيين سعد الدين العثمانى رئيسا للحكومة بعبارات تطمينية توحى بأن طريق تشكيل الحكومة، سيكون سالكا أمامه بخلاف سلفه بن كيران الذى لم يعد مرغوبا فيه لأسباب يتداخل فيها الذاتى بالموضوعى. وجاءت الرسالة الثالثة وقد وجهت للقوى الداخلية والخارجية المعادية للتنظيمات الإخوانية مفادها أن الحالة الإسلامية المغربية تحت الضبط ولا تشكل أى إزعاج للحكم مرحليا، بل على العكس من ذلك فإن الأوضاع الداخلية وتحولات المحيط المتسارعة لا تسمح على الإطلاق بالتفريط فى إسلامى عبد الكريم الخطيب. بل توجب ضرورة الاستمرار فى التعامل معهم كورقة مهمة فى تثبيت السلم الاجتماعى والسياسى بالنظر إلى حاضنتهم الشعبية الكبيرة والقوية، لأن إبعادهم بشكل نهائى لا يخدم الاستقرار بل يوسع من دائرة الاحتقان فى ظل غياب بديل حزبى قادر على المحافظة على التوازنات السياسية فى البلاد. ولكل هذه الاعتبارات يمكن القول إن إعفاء عبد الإله بن كيران أو إزاحته من رئاسة الحكومة لم يكن الغرض منه هو إضعاف حزب العدالة والتنمية أو تعريض بيته الداخلى للانشقاق، كما ذهب إلى ذلك بعض المحللين المهووسين بنظرية المؤامرة، بل كانت غايته الأساسية هى التخلص من رجل أصبحت له شعبية مزعجة، وهذا ما يفسر اختيار شخص العثمانى كشخص هادئ ومهادن ولا أضواء كاشفة مسلطة عليه. ويعلق د. عبد الرحيم منار لسليمى رئيس المركز المغربى للدراسات والأمنية التحليلية ل "الأهرام العربى" قائلا: فى رأيى أن المشكل الذى وقع فيه "بن كيران" وأوقع معه حزب العدالة والتنمية هى أزمة تحويله المشاورات الحكومية إلى موضوع مرتبط بشخصه وبحزب العدالة والتنمية". ويرى السليمى أن الاختيار جاء "لإعادة التهدئة إلى الحزب والرد على كل الادعاءات التى تقول إن حزب العدالة والتنمية يتعرض لمحاولة التشتيت من الداخل. ويضيف قائلا: لكى تكون المشاورات التى سيقودها العثمانى لتشكيل الحكومة سهلة "على العثمانى أن ينتبه إلى الأخطاء المرتكبة فى السابق على الرغم من أن لديه توافقات مع كل الأحزاب، وذلك لأن رئيس الحكومة المعين اليوم قادر على أن يتجاوز كل العقبات خصوصاً أن جميع الأحزاب بما فيها حزب التجمع الوطنى للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة مدت يدها إليه، وأبدت استعدادها للتعاون فى تشكيل الحكومة التى نتوقع حدوث ذلك قبل افتتاح الدورة البرلمانية المقبلة . ويؤكد المحلل السياسى أن عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المعفى انتهى سياسيا بعدما استبعده الملك محمد السادس منذ يومين من مهام تشكيل الحكومة، فيما اعتبر أن "تعيين سعد الدين العثمانى مكانه سيسهل عملية المشاورات، كما سيعيد أجواء التهدئة والتوازن داخل حزب العدالة والتنمية، خصوصا أن بن كيران ظل طيلة الأشهر الخمسة الأخيرة التى قاد فيها مفاوضات تشكيل الحكومة يدور فى فراغ، لأنه لم يجد الطرف السياسى الذى كان يدخل معه فى صراعات ثنائية وهو الأصالة والمعاصرة، مشيرا إلى أن "زعيم الإخوان" ساعدته ظروف خاصة "ليبلغ القوة والشعبية تتمثل فى ظهور "البام".. فبن كيران لم يكن يحلم بهذا المسار السياسى الذى وصل إليه". واعتبر السليمى أن بن كيران ارتكب طيلة مرحلة المشاورات عدة أخطاء، "حاول أن يجمع بين النقيضين بتوجهه إلى حزبى الاستقلال والأحرار، وتوجه إلى حميد شباط الذى كان سببا فى انهيار الحكومة فى نسختها الأولى، متابعا باستغراب: "لا أحد يفهم كيف انقلب بن كيران على الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية بعدما سعى إلى ضمه فى الأول ضمن تشكيلة الحكومة ولا أحد يفهم لماذا لم يطلب من الملك إعفاءه أو تشكيله لحكومة من الأحزاب التى اتفق معها.
الباب المسدود وتستكمل الحديث الكاتبة الصحفية المغربية خديجة براق قائلة: قبل الحديث عن مرحلة "سعد الدين العثمانى"، لا بد من استحضار الظروف التى دفعت العاهل المغربى إلى إعفاء رئيس الحكومة السابق "عبد الإله بن كيران"، وتكليف القيادى فى حزب العدالة والتنمية "سعد الدين العثمانى" بتشكيل حكومة جديدة. بداية فالمشاورات التى قادها "بن كيران وصلت إلى الباب المسدود، وظل المغرب يُسير بحكومة تصريف الأعمال لأزيد من 5 أشهر، هذه المشاورات عرفت مدا وجزرا بين مختلف المكونات الحزبية فى المغرب، فبعض الأحزاب التى أعلنت مشاركتها فى الحكومة اشترطت أن تشارك فى الحكومة ذاتها أحزاب أخرى، كما هو الشأن بالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية الحاصل على 20 مقعدا فقط فى البرلمان المغربى، وهو ما رفضه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وكان قد وصل فى هذا الإطار إلى الباب المسدود عندما صرح قائلا: "لن أكون عبد الإله إذاً داخل الاتحاد الاشتراكى للحكومة"، معتبرا أن تشبثه بمواقفه هو حفاظ على كرامة شعب ومجتمع". لا شك أن التساؤلات التى تطرح الآن من قبل الرأى المغربى والمتتبعين، تدور جميعها فى قدرة "سعد الدين العثماني" على تشكيل الحكومة المقبلة، دون أن يسجل "هزيمة معنوية" لحزبه، خصوصا أن العديد من قيادات حزب العدالة والتنمية ترى أن موقف "بن كيران" من حزب الاتحاد الاشتراكى كان موقف الحزب وليس موقفا شخصيا، وهذا ما سجله بلاغ الأمانة العامة للحزب الصادر عقب إعفاء بن كيران، والذى أشار إلى أن الأخير لا يتحمل مسئولية فشل تشكيل الحكومة محملا المسئولية لأطراف أخرى." اختبار صعب، إذن، أمام "العثماني"، الذى سبق أن تقلد منصب وزير الخارجية، كما يمثل التيار "الوسطي" فى حزب المصباح، ويحظى باحترام جميع الأطراف السياسية فى المغرب، ما يميز مرحلة المشاورات التى سيباشرها رئيس الحكومة المكلف، هى أنها ستنطلق تحت قيادة رجل يحسن لغة التواصل، كما أنه على دراية مسبقة بمجريات اللقاءات التى أجراها سلفه "بن كيران" مع مختلف قيادات الأحزاب الأخرى، حيث سيبحث الرجل عن أساليب جديدة للإقناع من أجل الوصول إلى حل توافقى بين مختلف المكونات السياسية، ومن ثم الخروج من أزمة الجمود التى يعرفها المغرب سياسيا، وتشكيل حكومة قوية كما شدد على ذلك العاهل المغربى محمد السادس فى خطاب سابق. ويختتم الحديث السياسى المغربى جهاد الهاشمى: توقعاتى المقبلة للحكومة المغربية ستكون أفضل بحول الله أى أنها ستسير من الحسن إلى الأحسن، وذلك بفضل حنكة الملك محمد السادس نصره الله، خصوصا أن السياسة لها ستائر ودهاليز، وبن كيران ليس وحده من كان يتخذ القرارات لأنه يمثل حزبا وهيئة. فكان يتبع مبدأ كثير من البشر والذى بطبعه يريد إثبات ذاته بلسانه ومزاياه برغم أن الطرف المتلقى يراها سلبيات.
الثالوث المغربى وتعليقا على كون العثمانى ينتمى للإخوان المسلمين، يقول الهاشمى: فى منظورى المتواضع والشخصى كلنا إخوة مسلمون غير أن الغرب هو من ابتدع هذه الفرق لكى يفرق بيننا نحن الإخوان المسلمين ولكن على كل حال المغرب بلد السلم والامان والخير، ونطمح إلى الأحسن، نحن طبعا كباقى دول العالم، لكننا نتمتع بموقع إستراتيجى هائل، وملك عظيم متواضع، وهنا المقصود بالإخوان هم التنظيم ونحن دولة ملكية دستورية ديمقراطية، ولا نتحكم إلى تنظيم ولسنا جمهورية لكن لدينا شعارا خالدا ثالوثا لا رابع له وانتهت الأرقام الله. الوطن. الملك. فى نظامنا نحن دولة الملكية. الشريفة. دستور نمشى عليه وهو المتحكم ولا يعلو عليه. وزير أو عقيد أو كابتن لذا أنا راض تماما عن اختيار العثمانى ولى فيه أمل كبير بعد الله لأنى أعرف الرجل. نبيل بأخلاقه وبعد نظره السياسى وهو شخص متواضع جدا. وفى النهاية المهم هو التسيير وحسن التدبير، حياة الضمير والمصداقية ونكران الذات، وحب الخير للجميع وحب الوطن، وهذه تنطبق على كل بلدان العالم هى ثقافات وقناعات وأيديولوجيات فلسفات.