بعد قرار البنك المركزي.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وماكينات الATM    روسيا تتهم أوكرانيا بمحاولة اغتيال بوتين في الجو    وصول جثامين متفحمة لمجمع الشفاء جراء استهداف مدرسة في قطاع غزة بصاروخين    ترامب: قد يكون لدينا أخبار سارة مع حماس بشأن غزة    عاجل- ترامب يفجّر مفاجأة: "أخبار سارة قريبة بشأن إيران وحماس".. ما القصة؟    محمد صلاح يكشف الصعوبات التي واجهها في بداية مشواره الاحترافي    ليفاندوفسكي: الموسم كان شبه مثالي.. والأهم أننا تُوجنا بالليجا    ملف يلا كورة.. تصريحات صلاح.. عودة حمدي فتحي.. وقرعة كأس العرب    هاني سعيد يهاجم رابطة الأندية: 90% من الفرق خارج حساباتهم وتأجيل مباراة سيراميكا "أصبح مملًا"    جهات التحقيق تصرح بدفن جثمان أحمد الدجوي    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الاثنين 26-5-2025    هشام ماجد يشكر فريق «أشغال شاقة جدًا» بعد الفوز في «كأس إنرجي للدراما»    "ختام دوريات أوروبا".. نتائج مباريات يوم الأحد 25 مايو    منها العائد المادي والاعتداء على الأطقم الطبية.. وزير الصحة الأسبق يكشف أسباب هجرة الأطباء    حُسمت.. الفرق الإيطالية المتأهلة إلى دوري أبطال أوروبا 2025-2026    إصابة نجل الفنانة زينة في هجوم كلب داخل كمبوند بالشيخ زايد    بعد إنكاره للتهم المنسوبة إليه.. تأجيل محاكمة سفاح المعمورة    تنفيذًا لحكم قضائي.. المحامي المتهم بتزوير توكيل عصام صاصا يسلم نفسه لقسم شرطة الجيزة    البترول تكشف تفاصيل حادث تسرب غاز في محطة كارجاس رمسيس    موعد مباراة النصر ضد الفتح اليوم الإثنين في الدوري السعودي للمحترفين    دار الإفتاء توضح حكم تحمل الزوج تكاليف حج زوجته    «تستحمى الصبح ولا بليل»؟ سبب علمي قوي يجنبك فعلها في هذا التوقيت    نجم الأهلي السابق: محمد صلاح ظُلِم في الكرة الذهبية.. وإبراهيم عادل يستحق الاحتراف    زوجة واحدة وربع دستة عشيقات في حياة أقوى عازب في العالم.. حريم بوتين    "هآرتس": قدرة "حماس" لم تتراجع ولديهم 40 ألف مقاتل وآلاف الصواريخ والقذائف    النائب أحمد السجيني: تحفظات كثيرة على مشروع قانون الإيجار المقدم من الحكومة    مجلس إدارة التعليم المدمج بالأقصر يناقش استعدادات امتحانات الترم الثاني خلال اجتماعه الدوري    التعليم تحسم الجدل: مدراء "المبادرة الرئاسية" مستمرون في مناصبهم -(مستند)    تراجع سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء الاثنين 26 مايو 2025    كلب شرس يطارد ابن زينة في الشيخ زايد    ممثلة شابة تتهم طليقها بمطاردتها أعلى المحور.. والشرطة تتدخل    عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 26 مايو في الصاغة (تفاصبل)    لا تتمسك بما لا يخدمك.. برج الجدي اليوم 26 مايو    عمرو أديب عن إرث نوال الدجوي: «قصر واحد على النيل يعيش العيلة في نعيم مدى الحياة»    حدث بالفن | أزمة هيفاء وهبي والموسيقيين والعرض الخاص لفيلم "ريستارت"    داليا البحيري ترد على منتقدي عدم ارتدائها الحجاب: "بص في ورقتك ودع الخلق للخالق"    عايدة الأيوبي: لم أسعَ إلى الشهرة وهذا سبب اعتزالي    محمد صلاح: «مكة بتحب التمثيل.. ومش عاوزها تمثل عشان بنتي»    اتهام مواطن يحمل الجنسيتين الأمريكية والألمانية بمحاولة شن هجوم على السفارة الأمريكية في تل أبيب    الخارجية الروسية: سنُقدم مذكرة احتجاج إلى السويد بعد هجوم على سفارتنا    معجزة طبية في الفيوم: استخراج فرع شجرة من جسد طفل دون إصابات خطيرة    فريق من الجامعة الأمريكية يبدأ تقييم نظم الرعاية الصحية في مصر    وزير الزراعة يحسم الجدل: «مفيش لبن حلال ولبن حرام» (فيديو)    فى ختام التعاملات.. أسعار الذهب فى مصر اليوم    إنشاء كليات وجامعات جديدة.. أبرز قرارات مجلس الجامعات الخاصة مايو 2025    عاجل- وزارة الكهرباء تُطمئن المواطنين: لا تخفيف للأحمال في صيف 2025    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الإثنين 26 مايو 2025    كيف أطاحت نكتة بوزير ياباني من منصبه؟    تنفيذ أضخم مشروع جينوم بالشرق الأوسط وتسليم عينات جينوم الرياضيين    أحكام الحج (1).. علي جمعة يوضح ما هو الحج وحكمه وفضل أدائه    ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة؟ عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى تجيب    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    إعلام: عطل في اتصالات مروحية عسكرية يعطل هبوط الطائرات في واشنطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهندس الثلاثية المعمارية محمود رياض.. أسطورة العمارة والتصميم فى مصر
نشر في الأهرام العربي يوم 06 - 03 - 2017

صاحب تصميم المبانى الثلاثة الأهم فى ميدان التحرير: مبنى جامعة الدول العربية ومقرالاتحاد الاشتراكى وفندق هيلتون النيل

خريج كلية الهندسة الملكية بمصر عام 1927 وتم إيفاده فى بعثة دراسية إلى جامعة ليفربول بإنجلترا وقام بالتدريس بها

شارك ببداية حياته فى تصميم ناطحة سحاب بأمريكا وتصميم مبانى إمباير ستيت وفيفث أفينو وهارمون آند لامب شريف

من جيل الرواد الذى كرمه الملك فاروق، والرئيسان الأسبقان جمال عبد الناصر، وأنور السادات على إبداعاته المعمارية. ينتمى محمود رياض من حيث المرجعية الفكرية المعمارية إلى حقبة الحداثة، وهو بالقطع يعد من أكثر المعماريين المصريين الرواد تطبيقا لأطروحات ناضجة لمدرسة الحداثة فى السياق المصري.. ساعدته الظروف أن يجمع خبرات من طرز هندسية مختلفة، وأن يسافر ويتعرف على عمارة الغرب وينقلها إلى مصر.. ثم يستقل وينشئ مكتبا خاصا يحقق صورة كاملة من تصميمات وتنفيذ متكامل لها، ويتتلمذ على يديه العديد من المهندسين بعد ذلك.. وتم وصف المعمارى محمود رياض ب"مهندس الثلاثية المعمارية" للمبانى العامة الأهم فى محيط ميدان التحرير، وهى مبنى جامعة الدول العربية عام 1955، ومبنى المقر الرئيسى للاتحاد الاشتراكى عام 1959، وفندق هيلتون النيل.. وللتعرف على حياته ونشأته كان هذا اللقاء مع أسرته.
يقول المهندس محمد محمود رياض عن والده المعمارى الكبير المهندس محمود رياض، إنه ولد فى شهر يوليو عام 1905 وكان من أوائل خريجى كلية الهندسة الملكية عام 1927 بجامعة القاهرة، وسافر عام 1930 إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى بعثة تدريبية، حيث شارك فى تصميم 500 مبنى، من بينها مبانى إمباير ستيت، وفيفث أفينو، وهارمون آند لامب شريف، وشكل ذلك فرصة كبيرة لمهندس فى بداية حياته، صمم أول ناطحة سحاب.
حصل محمود رياض على بكالوريوس العمارة عام 1931، فى تخصص تخطيط المدن بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، وتم إيفاده فى نفس العام فى بعثة دراسية إلى جامعة ليفربول بإنجلترا وقام بالتدريس بها، وحصل على دبلوم تخطيط المدن فى عام 1932. ثم عاد إلى مصر وعين مهندساً بوزارة الأوقاف عام 1932 فكان معظم المهندسين بعد التخرج يعملون بوزارة الأوقاف، ولذلك كانت العمارة الإسلامية منتشرة فى تلك الفترة، ولكن قرر أن ينفرد ويؤسس مكتبه الخاص عام 1933، وهذا المكتب قائم حتى الآن وأعمل به أنا وابنى محمود رياض الصغير.
بعد ذلك نهج محمود رياض خطا آخر فى العمارة، وكان من أوائل المهندسين الذين صمموا أعمالا مودرن بخطوط بسيطة وشديدة الدقة، ونفذ ذلك فى فيلا "حافظ"، ثم فيلا عفيفى. كما نفذ عددا كبيرا من مشاريع مصانع كفر الدوار، ومصانع "الكوكا كولا" فهو من قام بإنشاء جميع مصانع الكوكا كولا على مستوى الجمهورية، فهذه المصانع كان لها تصميمات مختلفة عما هى عليه الآن، ففى الماضى كانت تمر على سير، أما الآن فالأمر مختلف تماما. كما صمم مبانى شركات مصر للتأمين بشارع سليمان باشا، واستخدم الطوب الأحمر فى الواجهات، وشركة مصر للبترول فى شارع عرابى، كما صمم عمارات سكنية وفيلات توصف بالطراز ال"artdeco"، الذى كان يهوى تصميمه بمنتهى التمكن والتميز.

عائلة رياض
كانت لدى محمود رياض ثلاثة أخوة من الذكور الأكبر، إبراهيم الذى كان لواء بالجيش، ثم تولى رئاسة محافظة الجيزة ، ومحمد الذى شغل منصب محافظ الإسماعيلية.. وحلمى وكان طبيبا، ثم محمود رياض حيث كان ترتيبه الرابع بين إخوته، وأختين روحية وزهرة.
منذ أن بدأت العمل معه لا أتذكر أنه عانى من صعوبات معينة، أو أن أحدًا أعترض طريقه فى العمل- والكلام لابنه محمد - فقد قام الملك فاروق بتكريمه لشدة إعجابه به، كما كان المهندس الاستشارى لبناء ستاد القاهرة مع مهندسين ألمان، وكان هناك رأى أو اتجاه فى تلك الفترة أن الذى يصمم مبنى رياضيا لابد أن يكون لاعب رياضة معينة، فرد عليهم وقتها قائلا: هل لو صممت منزلا لجزار هل لابد أن أعمل جزارا؟

أشهر أعماله
ويضيف ابنه محمد قائلا: من أشهر أعمال والدى المهندس محمود رياض فى مصر تصميم مقر جامعة الدول العربية، حيث قام بتصميم جميع الفرش الخاص بها والكراسى على الطراز الإسلامى، ومكتبنا ما زال يحتفظ بالرسومات حتى الآن.. وكان هذا لافتاً للنظر بالنسبة لى، حيث استطاع والدى القيام بعدد كبير من التصميمات المتنوعة والتى كانت تجمع عددا من التخصصات المختلفة. وأثناء تركيب الأرضيات كان يقوم بإرسال التصميم إلى إيطاليا، وتقوم الشركة المنفذة بتكبير مساحة الرسم بنسبة تسمى واحد لواحد للدقة فى التركيب وعدم الإخلال بالنسب المطلوبة، وكان من ضمن المشاركين له فى العمل المهندس حسين بكرى، من ضمن مجموعة المهندسين العاملين فى تلك الفترة بمكتب "رياض" حيث أشرف على تفاصيل العمل بالجامعة العربية، وتركيب النجفة التى قام بوضع تصميمها بناء على ملاحظات والدى، ومباشرته لها فى التركيب ووضع الخطوط المميزة لها .. وكان دائما يشجع من يعمل معه ولا يبخل على أحد بالمعلومات أو الوقت. كما قام المهندس حسين بكرى بتصمم جامعى الفتح بشارع رمسيس وجامع النور بالعباسية بعد ذلك. وكل الذين تخرجوا فى مدرسة محمود رياض عملوا معه فى المكتب وكان من تلاميذه. ومن أشهرهم المهندس حسين بكري، وحسين شاهين ومحمود أغا الذين قاموا بتصميم مستشفى دار الفؤاد، وأشرفوا على الميريديان الجديد، ومن تلاميذه أيضًا المهندسون توفيق حنفى وحسن منصور، فهؤلاء جميعهم عملوا معه بإخلاص وعاشوا فترة كبيرة جدا من العمل معه.
كما عمل والدى المهندس محمود رياض مديراً لوزارة الشئون الاجتماعية وتولى مسئولية الإسكان الشعبى فى عهد الرئيس عبد الناصر.. وفى عام 1961 طلب منه أن يمثل مصر فى هيئة "الدبليو نشين" للتخطيط العمرانى.
لماذا ترك مصر وسافر إلى الكويت؟
يقول ابنه المهندس محمد رياض: عندما سافر والدى إلى الكويت كان يبلغ من العمر 60 عامًا، وجاءوا إليه وقتها يطلبون رأيه فى تخطيط دولة الكويت الحديثة، فوضع تصميما لبلدية الكويت، وبالفعل نجح فى تصميم مميز أبهر القائمين بالدولة به. وهو يعتبر من أوائل من وضع مخططات وتصميمات دولة الكويت الحديثة، ووافق على السفر لحبه الشديد فى تصميم أى شيء، وكان وقتها يشغل مدير بلدية القاهرة. سافر إلى الكويت عام 1965 وعمل مستشاراً لوزارة الأشغال العامة هناك، وكانت الكويت فى بداية تطورها، وقام بالإشراف على جميع المبانى التى يتم إنشاؤها وقتها.. وكان يشرف على رسومات المهندس اليابانى الذى قام ببناء مبنى مجلس العلماء بالكويت ومطار الكويت، والإشراف على جميع المشاريع لأنه كان ممثل العميل.. وهذا لتقديرهم الشديد له. وظل هناك حتى عام 1979 وبعد عودته الأخيرة توفى فى مصر.

.

هوايات أخرى
وعن هواياته غير الهندسية يقول ابنه محمد رياض: كان والدى عاشقًا للسينما، واكتشفنا أنه قام بالتمثيل على خشبة المسرح بإنجلترا، وكان يصحبنا أنا وأخى أحمد إلى السينما كل أسبوع، وكان رحمة الله عليه يهوى الرسم أيضًا. انفصل والدى عن والدتى ونحن فى سن السابعة من العمر، وكان يأتى دائماً للاطمنئان علينا، ولا يبخل علينا إطلاقاً بأى شىء ولم يرتبط بعد ذلك بزوجة أخرى.. فالحياة بالنسبة له كانت العمل ونحن فقط.. فهو قليل الأصدقاء أو بين المكتب وكان شاغله المكتب ونحن فقط.. وكان شديد الحنان والرعاية لنا أنا وأخى الذى عمل مهندساً أيضا، فجميع أفراد العائلة عملوا بالهندسة من حبنا له.
ويضيف المهندس محمد رياض قائلا: تمنيت العمل مهندسا معمارياً لحبى الشديد لوالدى، ومشاهدتى لولعه الشديد بتلك المهنة وانبهارى به، فعندما التحقت بكلية الهندسة جامعه القاهرة رأيت بعض الرسومات الهندسية يدرسونها لنا، وكان من أهم المبانى مبنى الاتحاد الاشتراكى الذى تحول إلى مقر للحزب الوطنى الذى قام الرئيس عبد الناصر بتأميمه، وكان المبنى ملك بلدية القاهرة. كما طلب الأمير سعود الفيصل من والدى أن يصمم عمارة سكنية بجدة.
كما اشتركت معه فى تصميم بعض المبانى للقوات المسلحة فى الإسكندرية وكفر الدوار، ومبنى "كمبنيسكى"، حيث طلب د.عبد القادر حاتم أول وزير للإعلام فى حكومة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أن يتحول المبنى إلى فندق لدعم السياحة، ولكن توقف ذلك بعد النكسة، فمنذ بنائه كان عمارة سكنية، كنت أمتلك شقة به، ثم تحول إلى فندق النيل بجاردن سيتى، وتبع بعد ذلك إدارة شركة إيجوث بعد بيعه لها.
ومن أشد الصعوبات التى واجهتنى - والكلام للمهندس محمد رياض- لحظة حصولى على تقدير مقبول فى مشروع التخرج، لاتهام الأساتذة لشخصى أن والدى قام بمساعدتى لأنه كان مشروعا صعبا جداً، فالتصميم هو تصور جديد لجامعة القاهرة. ولم يصدقوا أنه لم يساعدنى، ولم ير إطلاقاً لأنه كان مشغولا دائمًا فى عمله.. وكان يريد أن أعتمد على نفسى.. واتهمونى بأننى عملته فى مكتب والدى، لأننى لا أذهب للجامعة إلا فى الساعة ال 8 صباحا وأتركها الساعة 2 بعد الظهر .. فجميع الطلبة يجلسون مع الأساتذة فى المساء ويسهرون إلى وقت متأخر، لذلك اتهمونى بأنه ساعدنى، وبسبب ذلك حصلت على درجة مقبول فى مشروع تخرجى.

.

قوة الملاحظة
كان والدى فى العمل لا يعرف الخطأ، كما يقول ابنه المهندس محمد رياض، وكان يشاهد كل رسوماتى، ففى بعض المرات كنت أستلم شقة بعد الانتهاء من تشطيبها بالإسكندرية وذهب معى، وكان يهتم بدقة باستلام الحمامات تحديدا.. ودخل بنفسه ليختبر ارتفاع الدش، ووجد أنه منخفض ورأسه اصطدم به وهو واقف فى البانيو، وكانت تلك ملاحظة مهمة فى أنه من الضرورى وضع حسابات الأشخاص ذوى القامة الطويلة، كان حقا قوى الملاحظة، ومنذ تلك الملاحظة تعلمت منه الدقة والتدقيق فى كل شيء. فعندما نقوم بعمل تصميم نقوم بعمل التقسيمات الخاصة بالكهرباء والفرش الخاص بالمنزل أولاً وتقسيم كل شيء يخص المنزل قبل البدء فى التنفيذ.
ومن أهم الأشياء التى تعلمتها دقته فى رسم الخطوط للتصميمات، فمن بين المرات جاء لمباشرة مشروع، ولفت نظره وأبدى إعجابه، ولكن بعد أن انتهيت منه، عرض على مهندس كان يعمل معنا بالمكتب بأن يضع لى البرواز الخارجى للوحة، وجاء بالمسطرة الخاصة به، فعندما شاهده والدى، اكتشف من اللحظة الأولى ولاحظ وجود فارق.. وقال ملاحظته المهمة التى لا أنساها طوال حياتى "عينك يجب أن تكتشف الخطأ قبل الصواب". ومن أهم المكافآت بالنسبة لى عندما أهدانى سجادة عن تصميم قمت به، وقرر أن يكافئنى فأنا أعتز وأفتحر بها، وحتى الآن تجمل منزلى وتذكرنى به كل يوم.
ويضيف الابن محمد رياض: قمت بالتدريس مدة عام فى جامعة عين شمس. وفى مرحلة حياتى العملية نهجت نفس الطريق الذى صار فيه والدى، مستشارا هندسيا لصندوق التأمين، ثم استشاريا لشركة "هيدكوا" للسيدة هدى عبد المنعم المشهورة "بالمرأة الحديدية"، واستشاريا للبنك المركزى، ومركز بن لادن فى دبى والشارقة.

نوعية عملاء
بالتأكيد نوعية العملاء اختلفت عن الماضى، كما يقول المهندس محمد رياض، فعلى سبيل المثال تعاملت مع المكتب السيدة أم كلثوم حيث أعدنا فرش منزلها، وفيلا عبد المجيد وسامى بدراوى، وتصميم لشركة الهليتون عام 1967 والإشراف على تنفيذ المبنى والقيام بوضع ثلاثة رسومات خاصة للشركة بالإسكندرية والأقصر وأسوان.. كما عمل استشارياً لشركة مصر للتأمين.. ثم استمر المكتب بالعمل معهم.. هؤلاء كانوا الزبائن أما الآن اختلف الوضع كثيراً.
ويضيف الابن: قام والدى ببناء بنك مصر سوريا، والبنك المركزى فى باكستان، نتيجة لعمله لسنوات عديدة استشاريا للبنك المركزى. وفى الفترة من 1954 حتى عام 1965، قام مع عبد اللطيف البغدادى أحد ضباط الثورة ووزير الشئون البلدية وقتها، بإنشاء طريق الكورنيش.. وأثناء العمل واجه مشكلة سفارة إنجلترا ولكنه استطاع أن يجد الحل. وكان الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر يثق فى والدى بشكل كبير، فكان يقوم بتصميم المبانى الحكومية والإشراف عليها بشكل مباشر نتيجة تلك الثقة. كما تولى والدى منصب رئيس بلدية محافظ القاهرة.

أزمات صحية
ويضيف الابن: عانى والدى من أزمة قلبية فى عام 1976 نتيجة التدخين بعنف، وشرب القهوة، وكانت آخر سيجارة شربها وهو فى المستشفى، ونحتفظ بهذه السيجارة والعبوة لأنها كانت الأخيرة فى حياته. وتوفى والدى فى منزله بجوار الإذاعة والتليفزيون، وهو موجود حتى الآن، ولم نتخل عنه، وما زال مكتبه الشخصى وثلاجة من فترة الثلاثينيات تعمل حتى الآن .
وعن النهضة العمرانية التى تشهدها مصر فى المدن الجديدة، يقول المهندس محمود رياض: أنا لا أوافق على الكثير مما حدث بالتجمعات.. فالشوارع الخاصة بالفيلات ضيقة للغاية ولا توجد أشجار أو مناظر طبيعية لافتة للنظر، وأصبحت عمارات سكنية تسمى فيلات، وكلها شقق داخل المبنى، لا يوجد مفهوم الفيلا الحقيقى. فكان يجب النظر لتصميم الأحياء القديمة مثل حى المعادى أو الزمالك، وكان يجب أن يراعى المهندسون تلك الاعتبارات الجمالية.
ويقول المهندس محمود محمد رياض، حفيد المهندس الراحل رياض: أنا لا أتذكر جدى ولم أره إلا من خلال الصور والخطابات التى كانت بينه وبين والدى والحكايات التى يرويها والدى لنا عنه، وأقوم الآن بقراءتها للتعرف إليه أكثر، كما أعمل بالمكتب الخاص به أيضاً وأرى جميع التصميمات التى قام بها، وأقوم حالياً بعمل أرشيف مادى ورقمى لإنشاء موقع إلكترونى يضم سيرة رياض المعمارية. والأرشيف الذى نقوم به يضم حصر جميع التصميمات والمشاريع التى نفذها، وكذلك العمارات السكنية والمصانع والمبانى التى نفذها وتم هدمها بعد ذلك.
ويقول الحفيد: سافرت إلى إنجلترا بعد قيام ثورة 25 يناير، وعملت مع المهندسة العالمية زها حديد وتعلمت فى مكتبها، فتعلمت رسم الخطوط بشكل مدروس وسليم، وجاءت تلك الفرصة من خلال والدتى لأنها صديقة لأسرتها، لأنها كانت ترغب بأن يعمل لديها شخص من مصر، وكان يعمل لديها 300 شخص، وكانت علاقتنا بها من خلال مديرها خاص "باتريك شومان" حيث كانت لا تظهر كثيراً، وهو المشرف على كل شيء، وقمت بعمل تصميمات للفرش والسلالم.. وأهم الفرص أنى شاركت بالعمل بالتصميم الخاص بمصر، التابع لشركة "رؤى" بالتجمع الخامس، ولكنه لم ير النور بعد الثورة فتم وضع كل المواصفات ودراسة الجدوى وسلمنا التصميمات وتوقف كل شىء. وتركتهم منذ عام 2013 لأننى رغبت بالعمل فى مكتب جدى ومواصلة رسالة والدى، وكان الهدف من وجودى معها هو التعليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.