في ظل التهافت علي ريع التجارة والسمسرة في الأجهزة والمعدات والبرمجيات.. لا أظن أن بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الآن من لديه الجرأة وطول النفس وعلو الهمة لكي يتحمل عبء المطالبة بإدخال التكنولوجيا في حلبة إدارة وتوزيع الدعم المقدم من الدولة للمواطنين. ولذلك كان الدعم ولا يزال وربما سيظل لفترة غير قصيرة معركة خارج اهتمام القطاع بشركاته وهيئاته ووزارته, ودليلا يؤكد مجددا أن الكثرة الغالبة بالقطاع لا يرون أن المهمة الأولي للقطاع بإمكاناته وتكنولوجياته وخبرائه هي تطوير المجتمع عبر الاشتباك مع قضاياه وأزماته الكبري وحلها بأساليب مبتكرة وجديدة تستند إلي ما تتيحه التكنولوجيا من إبداع. بداية أشير إلي أن الدعم يشمل الأموال التي تخصصها الحكومة أو الدولة من أجل تخفيض أسعار سلع ومنتجات وخدمات بعينها وتقديمها للمواطنين بأقل من تكلفتها الحقيقية, وتتحمل هي فارق التكلفة نيابة عن المواطنين, ويسمي في هذه الحالة الدعم الحكومي أو المقدم من الحكومة, وهو يشمل الدعم المقدم لكل من: رغيف الخبز- المواد البترولية- السلع التموينية- الكهرباء- التأمين الصحي للطلاب- الأدوية وألبان الأطفال- دعم فائدة القروض الميسرة- الإنتاج الحربي- نقل الركاب في القاهرة والإسكندرية:479 مليونا- صندوق الموازنة الزراعية- مقاومة آفات القطن. وهناك الأموال التي تقدمها الجمعيات والكيانات الأهلية غير الحكومية المختلفة لشرائح أو فئات بعينها من المجتمع, سواء علي نطاق جغرافي أو فئوي أو خلافه, من أجل تمكين هذه الفئات من الحصول علي سلع ومنتجات وخدمات بتكلفة تناسب قدراتهم المادية أو بدون تكلفة علي الإطلاق, ويسمي في هذه الحالة الدعم الأهلي المدني أو غير الحكومي. وعلي الرغم من أن حجم الدعم في صورته الحكومية والأهلية, أصبح يناهز المائة مليار حسب بعض التقديرات فهو يعد معضلة بالنسبة للحكومة والناس معا, فلا الحكومة راضية عما تدفعه, ولا هي قادرة علي تقديمه لمن يستحق, وفي المقابل الناس غير راضية عما تأخذ, وإذا أخذت, فالكثيرون غير قادرين علي أخذ كل ما يستحقون, وكثيرون آخرون يحصلون علي ما لا يستحقون, وبين حالات عدم الرضا وعدم القدرة تشتد الحاجة لتغيير الأوضاع الحالية للدعم, فالدولة تعمل علي أن يقل, والمحتاجون يضغطون ليزيد أو علي الأقل يصل كاملا غير منقوص. لذلك يمثل هذا الوضع المعقد تحديا مجتمعيا مهما, لا يجب أن تكون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بعيدة عنه, بل يتعين أن تكون في قلبه, وتلعب دورا في التعامل معه بطرق إبداعية, تخفف من وطأة التضاغط والاختلاف بين من يقدمونه ومن يستفيدون منه. والحقيقة أن البعد المعلوماتي في قضية الدعم ربما يكون أقوي وأشد وضوحا من قضايا أخري عديدة, قضية الدعم تضم العديد من تيارات البيانات والمعلومات الضخمة التي تتحرك بين مختلف أطرافها والمشاركين فيها, وتشكل المادة الخام الأساسية المسئولة عن مستوي الكفاءة في إدارة الدعم وضبطه وترشيده والسيطرة عليه من مختلف النواحي, وهذه التيارات تتضمن: - تيار بيانات ومعلومات خاص بالجهات المقدمة للدعم سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي. - تيار بيانات ومعلومات خاص بالدعم المقدم نفسه, من حيث الحجم والقيمة المادية, والصورة التي يقدم بها سواء منتجات أو سلع أو خدمات, وتكاليف إنتاجه ونقله وتخزينه وتوزيعه. - تيار بيانات ومعلومات خاص بقنوات وأدوات توفير الدعم وتوزيعه وتوصيله لمستحقيه عبر سلسلة التخزين والتوزيع وأساطيل النقل. تيار بيانات ومعلومات خاص بالقائمين علي توزيع وتوصيل الدعم, كآلاف التجار والبقالين والموزعين وأصحاب محطات الوقود وشركات توزيع الكهرباء. - تيار بيانات المواطنين المستحقين للدعم, ويتضمن أسماءهم ووظائفهم وأعمارهم ومحال إقامتهم إلخ. - تيار بيانات ومعلومات خاص بجهات مراقبة وضبط توزيع الدعم وترشيد إدارته. والحاصل أن هذه التيارات المعلوماتية والأطراف المرتبطة بها لا تتلاقي حتي الآن في نقطة تجميع واحدة, ولا يجري تخزينها ومعالجتها وتجهيزها وتنميطها في منظومة واحدة, بل هي مسئولية الجهات المنتجة أو المستهلكة لها كل علي حدة بصورة منفردة, ونسبة كبيرة منها لا تزال بيانات ومعلومات غير مرصودة حتي من قبل منتجيها ومستهلكيها, وتجري علي أعنتها في ثنايا المجتمع ومؤسسات الدولة دون أن يلتقطها أو يعرفها أحد, ومن ثم وجودها كالعدم. ومن الناحية الفعلية تعاني المعلومات والبيانات الخاصة بالدعم في الوقت الحالي من المشكلات التالية: - التقادم كنتيجة للوقت الطويل المستغرق في جمعها وتهيئتها في صورة تدعم اتخاذ القرار. - التأخير وتقديمها لمتخذ القرار في توقيت غير مناسب. - النقص وعدم التعبير عن الوضع بكامله, نتيجة وجود جزء من المعلومات غير مرصود ولا يمكن الوصول إليه بالأدوات والآليات القائمة. - التجزئة والتشظي وعدم التكامل, نتيجة جمع المعلومات من مصادر متنوعة بدون وجود معايير موحدة وملزمة للجمع والفهرسة والتنميط والمعايرة. - تشوه البيانات وعدم دقتها, وهو أمر ناجم عن المعالجات اليدوية العديدة للبيانات والمعلومات بما تتضمنه من إجراءات تسمح بحدوث ظواهر عديدة منها التكراريات في البيانات والتعبير عنها بأكثر من طريقة وأخطاء الرصد والتسجيل في الأرقام والأسماء والأماكن إلي غير ذلك. بعبارة أخري: نحن لدينا منظومة للدعم, تضم أطرافا تقدمه وقنوات توزعه وأطرافا تحصل عليه, وأطرافا يفترض أنها تراقبه وتحاول ضبطه وترشيده, لكن منظومة الدعم هذه لا يقابلها منظومة معلومات متكاملة تخدم مختلف الأطراف, وتسهل دورة تقديم الدعم وتسجل ما يدور فيها وترسله لمتخذ القرار, وهذا من أهم الأسباب التي جعلت من الدعم معضلة مجتمعية عويصة. وهنا علي وجه التحديد تقع الفرصة التي تعد مدخلا قويا ومناسبا لقطاع التكنولوجيا للدفع باتجاه خوض هذه المعركة وتحقيق الكثير من ورائها, عبر بناء كيان معلوماتي قومي متكامل لإدارة الدعم يضم: - أدوات طرفية لالتقاط وتجميع وبث المعلومات والبيانات ميدانيا طبقا لمقتضيات العمل, وتشمل الحاسبات المكتبية والمحمولة واليدوية وأجهزة قراءة الباركود وبطاقات وبطاقات الرقم القومي وغيرها. - شبكة اتصالات ومعلومات واسعة النطاق تربط مختلف أطراف دورة تقديم واستهلاك الدعم الحكومي والأهلي, ويفترض أن تكون بمثابة جهاز عصبي رقمي لنقل وتدوير البيانات والمعلومات المتداولة داخل هذه الجهات بعد التقاطها عبر الوحدات والأدوات الطرفية. - أوعية لتخزين المعلومات المتداولة عبر الشبكة وبين الجهات والأفراد المستخدمين لها, سواء كانوا ينتجون المعلومات أو يستهلكوها أو يراقبونها, وقد تتوزع هذه الأوعية أفقيا أو يجري تجميعها مركزيا في مركز واحد. - قواعد بيانات يتم تركيبها علي أوعية التخزين وتقوم بفهرسة وتصنيف وتبويب المعلومات والبيانات الواردة إلي أوعية التخزين علي مدار اللحظة وتضعها في صورة قابلة للتحليل والنقل من حالتها الخام إلي معارف تخدم مقدم الدعم والمستفيد منه ومتخذ القرار. - سلسلة من النظم والتطبيقات والبرمجيات التي تبني علي قواعد البيانات ويتم تصميمها والتخطيط لها وتشغيلها وفقا لما تفرضه دورة تقديم الدعم بمراحلها المختلفة والأهداف التي تريد الدولة تحقيقها من وراء إيجاد علاقة عضوية بين المعلوماتية والدعم, ويفترض أن تشكل هذه النظم والتطبيقات واجهات يتعامل من خلالها جميع الأطراف ذوي العلاقة بالقضية. ولست هنا في حاجة إلي القول أن إنشاء هذا الكيان سيوفر فرص عمل غير مسبوقة أمام القطاع, ويهيء الفرصة للاستفادة من عشرات التكنولوجيات والأدوات المتاحة من أجل ضبط دورة تقديم الدعم وتتبعها ورصد جميع تفاصيلها, وفي الوقت نفسه يقدم نموذجا ملهما في كيفية أخذ البعد المعلوماتي في الاعتبار عند التعامل مع القضايا القومية الكبري. وقد أثير في عام2009 نقاش وبحث حول استخدام التكنولوجيا في إدارة الدعم داخل الأوساط الأكاديمية والتنفيذية, من خلال مشروع للبحث والتطوير والابتكار كانت جامعة الأهرام الكندية هي الطرف الأساسي فيه, بمشاركة من معامل شركة أورانج بالقاهرة, وصندوق التطوير والبحث والابتكار بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي, وبتعاون مع وزارتي التنمية الإدارية والتضامن الاجتماعي, وكان يستهدف وضع منظومة لإدارة الدعم من خلال تكنولوجيا المعلومات, وعلي المستوي البحثي انتهي المشروع بوضع النموذج الأولي لمنظومة إدارة الدعم تكنولوجيا بمختلف أصنافه وأنواعه علي مستوي الدولة. وأذكر أنني قدمت عرضا تفصيليا علي مدي خمسة أسابيع في شهري أكتوبر ونوفمبر2010 لهذا المشروع وما أنتجه من فكر والنموذج الأولي المرتبط به, علي أمل أن يتنبه القطاع إلي هذه الفرصة ويضغط من أجل المضي قدما في الاستفادة بها وخوض هذه المعركة مستفيدا من وجود الدكتور أحمد نظيف رئيسا للوزراء لعبور عقبة الاتفاق علي هذا النموذج الأولي واتخاذ قرار استراتيجي علي مستوي الدولة بالمضي فيه. لكن المؤسف أنه مثلما ضيع القطاع بسلبيته فرصة الدخول إلي معترك قضية الخبز والوصول من خلالها إلي واحد من مفاصل المجتمع الأساسية, فإنه ضيع مرة أخري فرصة الدخول في معترك قضية الدعم ونام علي الأمر حتي تبدد. والآن ذهب نظيف الذي هو في الأصل خبير في نظم المعلومات وأكثر رؤساء الوزارة في مصر معرفة بهذه الأمور, وأصبحنا في موقف مختلف, يفرض أن يبذل القطاع جهودا من الصفر مع من هو في مكانه لكي يتعرف فقط مجرد التعرف علي الأمر, واعتقادي أنه لا يوجد الآن بالقطاع من سيجرؤ علي الكلام, لأن الأغلبية تفضل المعارك الصغيرة وتتجاهل الكبيرة.