اذا كان البعض قد اطلع علي المذكرات والنصوص الأدبية التي كتبها مناضلون سياسيون في المشرق العربي, إلا ان معرفة غالبية القراء المصريين بالادب الذي كتب في السجون المغربية لاتزال ضعيفة, علي الرغم من الاهتمام الذي وجدته أعمال مليكة افقير في سوق النشر, فقد ظلت في نهاية الأمر مجرد نصوص سياسية خالصة يصعب تصنيفها في خانة الادب. وقبل سنوات عرفت المغرب نشاطا حقوقيا وسياسيا قادته هيئة الإنصاف والمصالحة التي استمعت ووثقت شهادات من مروا بتجارب السجن السياسي ليس فقط بهدف تعويضهم, وانما بهدف انتاج الارشيف كمادة ضرورية لاعادة كتابة تاريخ المغرب, وذلك بعد عقود من سيادة الذاكرة الرسمية التي قصت بعنف الروايات الأخري. وقبل أن يجد هذا النشاط فضاءه الرسمي كتب مبدعون مغاربة تجاربهم في السجن, وكان الشاعر المغربي عبداللطيف اللعبي احد ابرز هؤلاء عبر كتابه يوميات قلعة المنفي الذي صدر مؤخرا في طبعة جديدة عن دار ورد في دمشق. واللعبي الذي نال العام الماضي جائزة جونكور الفرنسية ذائعة الصيت كاتب وشاعر ومترجم مغربي ولد سنة1942 بمدينة فاس المغربية.. أسس عام1966 مجلة انفاس التي لعبت دورا مهما في التجديد الأدبي والثقافي في المغرب. اعتقل اللعبي من أجل نضاله وافكاره سنة1972 ولم يسترجع حريته إلا سنة1980 علي اثر حملة دولية واسعة, ومن بين أعماله: العين والليل رواية عهد البربرية شعر, قصة مغربية شعر ازهرت شجرة الحديد شعر قصائد تحت الكمامة شعر مجنون الأمل رواية, والرهان الثقافي دراسات نظرية ومقابلات وترجم اللعبي عدة أعمال أدبية للغة الفرنسية من بينها: شعر المقاومة الفلسطينية, أشعار ل عبدالله زريقة ومحمود درويش وعبدالوهاب البياتي ورواية لحنا مينا. وكتاب يوميات قلعة المنفي يعتمد صيغة الرسائل اليومية التي يكتبها لزوجته جوسلين التي يمكن النظر إليها طوال النص كصورة للوطن الغائب/ الحاضر, ويعرف المهتمون بنصوص اللعبي كيف انه ارتاح طويلا لصيغة اليوميات التي تكاد تكون سمة رئيسية في كتاباته, الأمر الذي يجعلها نصوصا عصية علي التصنيف تجاوزها صاحبها لكنها كانت ضرورية لانها شهادة بالمعني الاخلاقي, وعليها ان تأخذ مكانها في خندق الذاكرة حتي وان كانت مكتوبة ل طي مرحلة واثباتها, فالشهادة التي يقصدها اللعبي ويتحدث عنها ملك عمومي تتوجه للعين والفؤاد والبصيرة لاتريد جزاء أو شكورا حقيقتها في وجودها, لذلك لاتترد الناقدة اللبنانية يمني العيد في المقدمة التي كتبتها للكتاب من التأكيد علي ان تلك النصوص كاشفة ل حياة غنية فعالم السجن غالبا ما يحيل إلي الحياة خارجه بتفاصيلها التي يجري استحضارها في كل رسالة إلي جوسلين أو لطفليه, الأمر الذي يمكن من كسر حواجز العزلة ولجم الوقت.. ويساعد كذلك علي استيعاب الحس الرومانسي الذي تفيض به الرسائل التي يمكن مقارنتها عند مستوي ما بما كتبه المناضل الراحل عبدالعظيم انيس في رسائل الحب والحزن والثورة, أو بكتاب مصطفي طيبة رسائل سجين سياسي إلي حبيبته. فما يكتب في تلك الظروف بحسب اللعبي هو ما استطيع ان انزعه من العاصفة الداخلية ليصبح مكسبا لايندثر. وشأن كل كتابة حرة يكشف القاريء في النصوص مساحة للتأمل في أمور كثيرة تجمع الادب بالسياسة والتاريخ, وهنا يتجلي وعي اللعبي الناقد ليكتب في رسائله ومضات وشذرات مضيئة حول الادب منها قوله: الادب الذي أريده, والذي حددته لنفسي, اما ان يقتلني أو ينقذني من استبداد العدم, ومن ثم فالرسائل عند مستوي هي طريقة لتفسير أدب صاحبها وانشغالاته, ويمكن ايضا ان تكون مرجعية لمحاكمة نصوصه التي عايشت تحولات فنية مهمة بعد تجربة السجن القاسية التي يتطور وعيه بها من النص الأول المكتوب في1972, ونصه الاخير في الكتاب المؤرخ في يوليو من عام1980, ولاشك ان هذا التبدل ناتج عن استيعاب ومعايشة جعلت من السجن فضاء أليفا لكن الكاتب بحسه المقاوم لايقبل التعايش مع اليأس فهو يري نفسه دائما مجنون الأمل. [email protected]