ماذا حدث للسياسة الخارجية الروسية؟ ولماذ هي في لهاث دائم وراء موقف غربي متقدم من ربيع الثورات العربية؟ وما هي ابعاد خلافات الزعيمين بوتين وميدفيديف تجاه تقدير ما يجري في المنطقة وتأثير ذلك علي السياسة الخارجية للدولة الروسية؟ التساؤلات كثيرة وتدور كلها حول تعثر خطوات الدبلوماسية الروسية وإصرارها الدائم علي أن تكون متخلفة بخطوات وليس بخطوة او خطوتين عن مثيلاتها للدول الغربية في تعاملها مع ربيع الثورات العربية, بحجة عدم التورط في انتهاك الشرعية الدولية. ورغم ما تحاول موسكو التدثر به من شعارات تقول بتمسكها باحترام الشرعية فان ما تقوم به يبدو في معظمه انتهاكا سافرا للحقوق المشروعة للشعوب في الحرية والديمقراطية, في نفس الوقت الذي تصر فيه دوما علي وضع علامة التساوي بين الضحية والجلاد. وتشير الشواهد وما ظهر من اخبار مقتضبة الي ان موسكو مضت علي ذات الطريق خلال اول مهمة يقوم بها في الخارج مبعوث خاص للرئيس منذ توليه مهام نائب وزير الخارجية مسئولا عن ملفات الشرق الاوسط وشمال افريقيا ميخائيل بوجدانوف والذي كان اوفده الرئيس ديمتري ميدفيديف الي دمشق حاملا رسالة شخصية خطية الي نظيره السوري بشار الاسد. فماذا حدث؟. قالت مصادر الكرملين ان الجانب الروسي ركز اهتمامه خلال بحث الاوضاع في سوريا علي ضرورة الوقف الفوري والتام للعنف من قبل اي طرف كان. ولنتوقف برهة عند هذه الصياغة العجيبة الغريبة لنحاول استيضاح ما تعنيه باشارتها الي من اي طرف كان والتي تدفع الي التساؤل عن هذا الطرف الاخر الذي تحاول موسكو ان تلقي عليه بعض تبعات التوتر في سورية في اشارة لا لبس فيها الي المعارضة التي تلقي علي كاهلها ببعض مسئولية العنف تخفيفا من اعباء ومسئولية الصديق الاخر الذي تخشي اتهامه صراحة بجرائمه الدموية المخجلة في حق العزل الامنين من ابناء شعبه. ولعله يكون من المفيد لو شرحت لنا موسكو كيف للمعارض الذي يزجون به الي السجون بعد حفلة استقبال مهيبة ارغمته خلالها علي اعلان الشهادة بان لا إله إلا بشار!! يمكن ان يكون طرفا في حوار بناء متكافئ حول مستقبل وطن ومصير قيادة ؟. وقد يكون من المفيد ايضا ان تفسر لنا موسكو توضيح ما صدر عن مسئوليها, وحسب مصادر الكرملين حول ان المعارضة يجب الا تتهرب من المشاركة في الحوار الذي تقترحه السلطات علي اعتبار ان هذا الحوار هو السبيل الوحيد لاستعادة السلام والوفاق الوطني ومضي سوريا قدما الي الامام علي طريق التحولات الديمقراطية. ألا تكون موسكو تعني بذلك ان المعارضة هي المسئولة عن عدم تنفيذ السلطات الرسمية لهذه التحولات؟!. قد يكون الامر كذلك ما دامت القيادة السياسية الروسية تظل عند موقفها من رفض استصدار اي قرار من مجلس الامن بخصوص سوريا خاصة بعد ان اعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة خارجيتها مبررات هذا الموقف بقوله ان روسيا تعارض اصدار مجلس الامن لاي قرار بشأن سوريا لأن الوضع هناك لا يهدد السلام والامن الدولي حسبما تري روسيا. ولعله من الغريب ان تواصل موسكو التمسك بمثل هذه المواقف تحت حجج واهية تارة تحت ستار ان هذه الثورات ومنها الثورة في سوريا والتي تسميها وسائل الاعلام الروسية' اضطرابات شعبية' بعد ان سبق وحاول كثيرون تشبيهها بالثورات الملونة التي سبق واجتاحت بعض بلدان الفضاء السوفيتي السابق وهو اتهام جائر لهذه الثورات الشعبية تبدو معه وكأنها جاءت نتيجة تحريض من جانب الدوائر الغربية. وفي هذا الاتهام ايضا تجاهل سافر لكل المطالب المشروعة للجماهير الثائرة وحقها في الحرية وبناء الدولة الديمقراطية فضلا عن غض الطرف عن الشعارات التي رفعتها هذه الثورات احتجاجا علي مخططات وسياسات الغرب والولايات المتحدة بالدرجة الاولي في المنطقة. اما عن سوريا تحديدا فثمة من يعرب صراحة في موسكو عن خشيته من احتمالات وصول الاخوان المسلمين واصدقاء ايران وحزب الله الي السلطة ما قد ينذر بانتقال النار الي اطراف الثوب الروسي في شمال القوقاز, وهي حجة واهية تغفل ما قاله بوتين شخصيا حول ماهية النظام السوري في تصريحاته خلال زيارته الاخيرة لفرنسا. وكان بوتين تبرأ من اية علاقات شخصية مع النظام السوري حين اعلن ان بلاده لا ترتبط باية علاقات خاصة مع دمشق مدينا في الوقت نفسه استبداد الانظمة الدموية في المنطقة. ومن اللافت ان بوتين اعلن هذا التصريح عقب تصريح آخر صدر عن الرئيس ميدفيديف والذي هدد فيه باستخدام حق الفيتو لدي اتخاذ اي قرار يجيز استخدام القوة ضد النظام السوري, رغم انه سبق واعلن في دوفيل الفرنسية في ختام لقاء الثماني الكبار باحتمالات الجنوح نحو تبني مواقف المجتمع الدولي في مجلس الامن. ومع ذلك فلا احد يستطيع إغفال ذكر ما سبق وقاله ميخائيل مارجيلوف الممثل الشخصي للرئيس الروسي عقب استقباله لوفد المعارضة السورية في موسكو حول ان' الصديق الوحيد لروسيا في سوريا هو الشعب لان الانظمة تروح وتاتي والشعوب هي الباقية' وهو تصريح اعتبره بعض المراقبين انه جاء من قبيل توزيع الادوار, ولا سيما ان القيادة كانت قد عهدت الي مارجيلوف استقبال وفد المعارضة السورية لا بوصفه رئيسا للجنة الشئون الخارجية بمجلس الاتحاد وهو منصب رسمي, بل بوصفه رئيسا لاتحاد جمعيات الصداقة والتضامن مع الشعوب الافروآسيوية وهو ستار كثيرا ما لجأت موسكو اليه لتمرير بعض خططها وسياساتها محتفظة لنفسها بحق التنصل من اية نتائج ملزمة لان القرار صدر عن غير ذي صفة رسمية, غير ان موسكو عادت ولجأت الي اصحاب الشأن حين نقلت ملف الشرق اوسط وشمال افريقيا الي اهل الخبرة وهو ما تمثل في ايفاد بوجدانوف الدبلوماسي المحترف الذي سبق وادار هذه الملفات من خلال موقعه السابق في وزارة الخارجية الروسية قبل انتقاله للعمل لسنوات طويلة سفيرا لبلاده في القاهرة ومندوبا لها في الجامعة العربية مستندا ايضا الي خبرة تراكمت من خلال عمله الاسبق ايضا كسفير لروسيا في اسرائيل. وانطلاقا من كل هذا تعمد بوجدانوف في لقائه مع الرئيس السوري خلط النصائح بالتحذيرات علي حد قول مصدر روسي كشف عن ان المبعوث الخاص للرئيس ميدفيديف اطلع الاسد علي مشروع القرار الذي اقترحته موسكو في مجلس الامن واتسم بلهجة مخففة وخلا من اية عقوبات وإن كان بوجدانوف اشار في الوقت نفسه الي احتمال ان تسير الامور علي نحو مغاير ووفق سيناريوهات اخري في حال مواصلة العنف في سوريا. وقال باحتمالات ان تتقدم الدول الغربية بقرارات حازمة' في حال استمرار الاحداث علي نفس النحو, وهو ما لابد ان يسفر عن اتخاذ قرارات اخري محذرا من مغبة نفاذ صبر المجتمع الدولي'. ولم يكن بوجدانوف ليفوت زيارته لدمشق دون لقاء مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس وآخرين من ممثلي الفصائل الفلسطينية الاخري قالت المصادر انه تناول ضرورة التهدئة مع اسرائيل وتعزيز الوفاق الفلسطيني. فهل يكون المبعوث الروسي حقق ما تنشده موسكو ؟. سؤال تتوقف اجابته علي ما قد يتخذه بشار الاسد والعائلة من قرارات ثمة من يقول انه قد فات اوانها.. ومنذ انطلق رصاص أمنه وشبيحته ليحصد الآلاف من الابرياء الآمنين ممن خرجوا يطلبون بعضا من ابسط حقوق الانسان.