صراع له جذور(1) من الأقوال المأثورة للمؤرخ والمفكر العربي والإسلامي.. ابن خلدون مقولة شهيرة عن حركة وتطور التاريخ وأثر ذلك علي مصير ومستقبل الأمم والشعوب, يقول فيها بالحرف الواحد: إن هناك سنة تداول الدول وهي سنة الشيخوخة, فالدول تبدأ ضعيفة ثم تقوي ويشتد عودها وتعظم سطوتها ثم تهرم كما يهرم الفرد فتذبل ملكاتها وتتلاشي طاقتها فتصير إلي الزوال. وإذا كنا نسلم بأن التاريخ هو خير معلم فإن التاريخ مليء بحكايات وروايات عن إمبراطوريات ودول عظمي عديدة تمكنت من السيطرة والهيمنة علي أمم وشعوب شتي ثم اندثرت ولم يعد لها أثر قط مثل الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية والرايخ الألماني الثالث والإمبراطورية البريطانية التي لم تغب عنها الشمس قرونا طويلة.. فضلا عن المنظمات النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا ونظام الفصل العنصري الأبارتايد في جنوب إفريقيا. ولأن المشروع الصهيوني الاستيطاني ليس بعيدا عن النماذج التي أشرت إليها فإن السبيل الوحيد لإنقاذ إسرائيل من هذا المصير المحتوم يتطلب من الممسكين بزمام الأمور فيها حسن اغتنام فرصة اليد العربية والفلسطينية الممدودة طلبا لسلام عادل ودائم بدلا من مواصلة الرهان علي القوة العسكرية والسياسية لفرض تسوية إذعانية لا يمكن لها أن تدوم! وهنا أقول: إن التاريخ مليء بالصراعات التي قادت إلي تسويات تم فرضها علي الدول والأمم المهزومة ولكن سرعان ما انهارت مثل هذه التسويات عندما استعادت الدولة المهزومة أو الأمة المقهورة قوتها وعافيتها كما حدث للتسوية الإذعانية التي فرضت علي ألمانيا في مؤتمر فرساي بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولي وأدت بالتالي إلي نشوب الحرب العالمية الثانية بعد20 عاما فقط. وفي اعتقادي أن أكثر ما يساعد قادة الدولة العبرية علي عدم حسن قراءة الأمور وعدم استيعاب دروس التاريخ هو الرهان الخائب علي نمو واتساع ذلك التيار الفكري الذي يرتدي أقنعة الاعتدال وثياب العقلانية في الظاهر لكي ينشر ثقافة الهزيمة والاستسلام في العالم العربي بدعوي أن موازين القوي لا تسمح بالمقاومة التي أصبحت في قاموسهم نوعا من الانتحار أو صنفا من صنوف الإرهاب. ولو أن الأمة العربية كانت قد استسلمت لهذا التيار لما اندحرت الحروب الصليبية أو انتهت الحقبة الاستعمارية التي تزامن أفول شمسها مع ظهور الصهيونية كحركة عالمية منظمة نجحت في صنع تزاوج للمصالح بين الصهيونية والعلمانية الاستعمارية الغربية من أجل اقتسام حقوق وثروات المنطقة رغم العداء التاريخي بين الزوجين! وغدا نواصل الحديث خير الكلام: المعرفة توفر الشجاعة والجهل يصنع الخوف! [email protected]