المحافظون في هذه المرحلة المهمة عليهم القيام بأدوار ومسئوليات عديدة لبناء وتنمية المجتمع من خلال برامج وأدوات وإنجازات جوهرية تخدم أبناء المحافظة وترتقي بمكانتها الاجتماعية والاقتصادية. إن نقطة الانطلاق الحقيقية في عمل المحافظ هي إدراكه السليم لمسئولياته التي نص عليها القانون وأيضا بإدراكه لطبيعة المشكلات التي يعاني منها أبناء المحافظة, والبدء بتحديد أولويات تطوير ونهضة المحافظة, فالعمل بدون أولويات غالبا ما ينتهي بإضافة عشوائية إدارية جديدة لغابة العشوائيات العديدة الموجودة حاليا أو المواجهة المستمرة لأزمات طارئة في المياه والصرف والخدمات والطرق والكباري والتعليم وحوادث المرور والصحة وغيرها. إن تحديد الأولويات يمثل نقطة بداية رئيسية لبرامج التنمية المحلية التي عليها أن تأخذ في الاعتبار تدعيم المشاركة الشعبية الحقيقة من ناحية والوصول إلي الأنحاء النائية من المحافظة وعدم الاكتفاء فقط بالمدن أو المراكز الرئيسية من ناحية أخري, مع تكوين فرق عمل متخصصة للتامل مع المشكلات ذات الصوت المرتفع والطبيعة الخاصة والعمل علي تدبير الموارد المحلية اللازمة لاستكمال المشروعات بكافة أنواعها. وأن يحدد المحافظون ما يسمي( بالمشكلة الأم) التي يجدر الالتفاف حولها لعلاجها مع الاهتمام الخاص ببعض القضايا التي تشكل ضغطا نفسيا واجتماعيا هائلا علي أهل المحافظة كالثأر, والمرض, والمياه غير النظيفة أو الطرقات غير المرصوفة والمستشفيات التي تفتقر إلي أبسط مستلزمات العلاج والعناية. إن تحديد برامج للتنمية المحلية الشاملة تنتهي خلال مدة زمنية محددة بعلاج المشكلات الرئيسية للمحافظة, يعد أمرا رئيسيا لاستكمال التنمية, علي أن تقدم المحافظة نموذجا يحتذي لجميع المحافظات الأخري في مجال أو أكثر من المجالات. إن النماذج التنموية الناجحة التي شهد بها أهالي محافظات الأسكندرية وقنا ودمياط ومرسي مطروح يمكن أن تقدم لنا مدخلا هاما لمعرفة أسرار نجاح هؤلاء المحافظين وكيف أنهم أداروا أعمالهم بنجاح وتمكنوا برغم الضغوط المالية والسياسية من تحقيق إنجازات مهمة اعترف بها الجميع. إن المحافظين الجدد والقدامي عليهم مسئولية إرساء قواعد الخدمة والعدالة وتدعيم الشفافية والمعاملة الكريمة للمواطن, إن تحديد الأولويات وتكوين فريق عمل والتعامل مع القضايا الساخنة وتدبير موارد ذاتية واستثمار الخصائص المميزة للمحافظة في تدعيم الانتماء لدي أبناء المحافظة سوف يدعم الإحساس بالارتباط والرغبة في البناء والانتماء إلي المحافظة والوطن الأم. وذلك بأن تبحث المحافظة عن مشروع محلي للمحافظة يلتف حوله أبناء المحافظة تحقيقا لأهدافهم وأحلامهم, فالمشروع القومي ليس مقصورا علي مصر ككل, ولكنه فكرة تصلح للتطبيق علي مستوي المحافظة. إننا نحتاج إلي قائمة إرشادية تضع عددا من النقاط التي تشكل ميثاقا لعمل المحافظ مثل:(1) أولويات التنمية المحلية,(2) والمشروع الذي يسعي لتحقيقه(3) ونقطة النهاية التي يأمل الوصول إليها. ثلاث نقاط رئيسية تحتاج إلي تسجيل وتأكيد واتفاق أين بدأ, وكيف سيتحرك من هنا إلي هناك, وما هي المخرجات التي سيحصل عليها أبناء المحافظة بعد نهاية فترة توليه للمنصب. علي أن يتم تحديد الإجابات علي هذه الاستفسارات بالتطبيق علي مجالات العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إن عقد مؤتمر سنوي لاستعراض جميع التجارب المحلية بحضور المحافظين جميعا سيوفر مناخا إيجابيا لدعم الإحساس بالمواطنة والتعلم المستمر وتشجيع الإبداع ونقل التجارب الإيجابية من مكان لآخر, علي أن تعمل الحكومة المركزية طول الوقت علي تقديم التفويض اللازم للمحليات وإعطائها الصلاحيات الكافية للتحليق والانطلاق حتي لا تصبح طوال الوقت مقيدة بالرجوع إلي الحكومة المركزية في كل كبيرة وصغيرة. إن التنمية المحلية المتكاملة هي الإطار السليم الذي يمكن من الإرتقاء باقتصاد المحافظة ومكانتها, أما الحلول الجزئية والتركيز علي مجال دون غيره قد يخرج لنا جنينا مشوها غير مكتمل, يحتاج إلي نفقات باهظة لعلاج تشوهات المشاريع التنموية الفاشلة أكثر كثيرا مما كان يتطلبه الأمر لو أنفقناها علي دراسات جدوي اقتصادية لبناء مشروع تنموي متكامل لتنمية المحافظة, هذا مع مراعاة أن المحافظات المصرية تختلف من حيث طبيعتها الجغرافية والاقتصادية وكذلك من حيث سمات وخصائص شعوبها. المزيد من مقالات د. عبدالرحمن توفيق