دأب السلف الصالح علي أن يوكل اختيار الحاكمين وأمور الأمة الكبري إلي مجموعة مميزة من العلماء والفقهاء والتجار وكبار رجال المجتمع وزعماء القبائل وهو ما اصطلح علي تسميته أهل الحل والعقد. واستمر مفهوم إنابة شئون الأمة الكبري بما فيها اختيار حاكمها إلي اهل الحل والعقد لقرون طويلة. ومع تطور الأفكار السياسية والعالمية أصبح اللجوء إلي الانتخابات المباشرة هو الطريق الأمثل لتتحقق قيم الشوري والديمقراطية التي فطر الله عليها الإنسان واستقرت عندها المجتمعات الإنسانية الحديثة. ولكن يبقي المنظور السلفي الإسلامي الصالح في أهل الحل والعقد في ضمير الأمة بحيث ان بعض رجالات الزمان الحديث من كبارنا وفقهائنا وجدوا إشكالية في اتباع سبل الديمقراطية الحديثة علي صوت واحد لكل مواطن بالغ راشد مهما كان وضعه الديني أو الاجتماعي أو المادي. وفي الساحة السياسية في مصر الآن خلاف سياسي مبدئي بين وضع الدستور أو مبادئه الحاكمة أولا أو اللجوء إلي الانتخابات التشريعية ثم انبثاق لجنة منتخبة طبقا لنتيجةالانتخاب الشعبي لوضع الدستور. ويخطر إلي أن مفهوم أهل الحل والعقد والقائم في ضمير الأمة هو الحل الأمثل لهذا الخلاف ويحسم الأمر تماما حيث لايوجد في حياة الأمة أهم من الدستور الحاكم لحركة المجتمع مما يستلزم ان يكون اختيار لجنة من كبار الأمة ضرورة سياسية وشرعية الحل والعقد لوضع دستورنا الذي يبني عليه كل شيء بدءا من الانتخابات التشريعية والرئاسية شاملا كل حركة في هذا المجتمع. إن هذه اللجنة من أهل الحل والعقد تحسم الخلاف بين الإسلاميين والليبراليين وباقي اطياف العمل السياسي حيث يتحقق للإسلاميين المنظور السياسي بينما تتلاشي مخاوف الليبراليين من الحركة إلي الأمام دون اتفاق مسبق لوضع بنية اساسية صلبة وثابتة وهي الدستور ومبادئه الأساسية. ويكون تشكيل لجنة أهل الحل والعقد لوضع الدستور ممثلا لجميع اطياف المجتمع وحاويا لكبار فقهاء الدستور والقانونيين وممثلي المجتمع الديني والمدني والأحزاب والنقابات.. إلخ. ونقترح في هذا الصدد أن تقوم لجنة متوسطة العدد (50 عضوا) ويكون تشكيلها بواسطة المجلس العسكري صاحب السلطة بعد استطلاع آراء كل اطياف المجتمع ويقوم اساس هذا التشكيل علي الاقتداء بالتمثيل الموجود في لجنة دستور 1954 الذي لم ير النور ودستور 1923 الذي حكم مصر قبل 1952 وبعد انتهاء هذه اللجنة من أعمالها (شهران تقريبا) يستفتي الشعب علي الدستور أو مبادئه الاساسية وبهذا تكون الانطلاقة المجتمعية إلي المستقبل مأمونة العواقب ثابتة البنيان وشرعية التوجه تراعي حقوق كل فئات المجتمع الدينية والاجتماعية والاقتصادية وتحقق مفهوم المواطنة.