لاشك في أن محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك من أهم وأخطر المحاكمات في تاريخ مصر الحديث والقديم أيضا ولكن بعيدا عن الدروس والعبر والتحليلات التي تستوجبها محاكمة بمثل هذه الأهمية أحب الإشارة لملاحظتين جديرتين بالتنويه وهما: أولا: الطريقة التي كان المحامون يقدمون بها مطالبهم ودفوعهم لهيئة المحكمة لم تكن بالمستوي المتوقع لمثل هذا الحدث من تدافع وتداخل وتضارب وعدم انضباط مما انعكس سلبا علي ما نأمله من تاريخية المشهد وجلاله وأثره علي مصر والمنطقة العربية كلها وقد اشترك في هذا العرض الهزيل محامو الدفاع والمدعون بالحق المدني للأسف الشديد. ثانيا: مذبحة اللغة العربية علي ألسنة المحامين الأفذاذ والمستشارين الجهابذة وأساتذة القانون وفقهائه مما جرح آذان المستمعين بلحن جلي واضطراب يبكي من فجاجته سيبويه ويذرف من ركاكته الكسائي ولقد كانت مهنة المحاماة قديما هي ساحة البلغاء وملتقي الفصحاء وكان طلبة الحقوق يحرصون علي حضور مرافعات مكرم عبيد ذلك المسيحي الذي كان يزين مرافعاته بآي الذكر الحكيم ويحفظون حيثيات الحكم في قضايا عبدالعزيز باشا فهمي ومن قبلهما أستاذ البلاغة الهلباوي ومن بعدهما عالم الفقه الدستوري السنهوري ولكن يبدو أن ركاكة التعبير وضعف اللغة ولحن اللسان.. كلها عوامل تضافرت علي مهنة المحاماة وأصبحت حالة مزرية نتيجة لأسباب كثيرة علي رأسها مكتب التنسيق وتوزيع طلبة الثانوية الضعاف علي مثل هذه الكليات التي كانت قديما مصنع الزعماء ومفرخة النجباء وملتقي البلغاء. والحل لهذه المعضلة أراه في ثلاثة أمور: 1- لابد من إضافة مادة فن الخطابة والإلقاء في منهج كليات الحقوق وعدم الاكتفاء بتدريب المحامين الناشئين علي كتابة المذكرات وإيداعها هيئة المحكمة وإغفال التدريب علي المشافهة والخطابة لما لهما من أثر لا ينكر. 2- تدريس كتاب شامل ومبسط لقواعد اللغة العربية ومن أروع ما قرأته كتاب لوزارة التربية والتعليم كانت توزعه علي طلبة الثانوي وعنوانه القواعد الأساسية في النحو والصرف (موجز ومكتمل أيضا). 30 تقرير نصوص من القرآن الكريم علي طلبة الحقوق وأخص بالذكر آيات الأحكام من مواريث وأحوال شخصية لأن تلاوة القرآن وتجويده تصلح عجمة اللسان وتيسر علي الحافظ البيان. وأذكر قصة طريفة رواها الشيخ صلاح أبوإسماعيل عليه رحمة الله أنه كان جالسا مع رفعت المحجوب رحمه الله فقال له: يا أخي أنا أتابعك وأنت تتحدث وتخطب وتلقي بيانات في مجلس الشعب فلم أمسك عليك غلطة مرة واحدة فكيف استقام لسانك وأعتدل بيانك فقال له الدكتور رفعت والذي درس في فرنسا: إنه الكتاب ياشيخ صلاح (يقصد الكتاب الذي كان يحفظ فيه الصبية القرآن).. فهل يعود الإعلاميون والسياسيون والمعلمون لهذا النبع الرائع ولهذا المرتع الخصيب؟. د. علاء الدين عباس جدة