مبارك يجمع شملنا صباح اليوم لن تجد كبيرا ولا صغيرا في بر مصر إلا متابعا بشغف بالغ وقائع محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك, في أكاديمية الأمن. فنحن أمام حدث غير مسبوق في تاريخنا الحديث, فقادة بلدنا لم يبرحوا كرسي السلطة, إلا بعد وفاتهم لأسباب طبيعية أو لاغتيالهم, أما أن يقف احدهم مبارك في قفص الاتهام, فذاك والله لأمر عجيب وغير مصدق, ولو حدثنا به عاقل قبل ستة اشهر, لطالبناه بعرض نفسه علي طبيب أمراض نفسية في أسرع وقت ممكن. وكم كانت ستكتمل حلقات سعادتنا بجني ثمرة من ثمار ثورة الخامس والعشرين, متمثلة في خضوع الجميع لسلطان القانون, مهما علا منصبه وشأنه, لو أننا استقبلنا المحاكمة وجبهتنا موحدة كالبنيان المرصوص, حتي يثبت الشعب المصري انه عندما ثار علي نظام مبارك قضي علي تشتت صفوف المصريين ووحدها, وأنه لن يفرط في هذا المكسب الثمين. غير أن واقعنا يفصح خلاف ذلك, فلا هم للقوي السياسية والدينية المحتكرة الساحة سوي التناحر والاقتتال علي مساحات النفوذ والقوة, وبيان قدراتها علي حشد الاتباع والمريدين في مليونيات واعتصامات ميدان التحرير. تحول الميدان لحلبة مصارعة كبيرة بين الليبراليين الممثلين للتيار العلماني والإخوان المسلمين والجماعات السلفية, وفتحت الأبواب الموصدة, ليدخل منها كل فوضوي وعابث ومخرب وطامع. وبعد أن كنا نتباهي ونتفاخر بيدنا الواحدة, إذا بنا نتشرذم, فطرف يريدها مدنية والآخر يطلبها دينية, إن فرغنا من الجدل حول هذا الموضوع أطلت علينا دعوات الدستور أولا أم الانتخابات أولا, اختفي شعار الشعب يريد, ليحل مكانه السلفيون يريدون.. العلمانيون يريدون.. الليبراليون يريدون.. المسيحيون يريدون. وبينما وقفت الأغلبية تراقب وتتفرج علي سجالات ومشاحنات ومواجهات التحرير وبقية ميادين الجمهورية, تفجرت بؤرة سيناء المهددة بخطر محدق, بعد أن استباحها مجهولون يهاجمون مراكز الشرطة ومحطات ضخ الغاز, ليبعثوا برسالة مقلقة ملخصها سنفعل ما يحلو لنا, طالما أنكم غير عابئين بتحصين أمنكم القومي. وأوجه كلامي للإخوان المسلمين وللسلفيين ول6 ابريل وغيرهم: لماذا لا نسمعكم تدعون لمليونية لسيناء, لإفهام العابثين هناك بأن الشرطة والجيش لن يكونا وحدهما علي خط مواجهتهم, بل سينضم إليهما شرفاء الوطن الحريصيون علي أمنه؟ ياأهل مصر اجعلوا من محاكمة مبارك يوما لجمع الشمل, مثلما كان الحال وقت الثورة, عندما خرج المصريون لاستعادة وطن سرقه حفنة من الفاسدين في دوائر الحكم والبيزنس, ونحوا جانبا مطالبكم وأطماعكم الشخصية, حتي نتقي شماتة الشامتين. المزيد من أعمدة محمد إبراهيم الدسوقي