صفحة من ملحمة الثوار من سوء حظ الذين قاموا بعمليات المقاومة ضد المحتلين الإنجليز خلال ثورة1919, وتمت مطاردتهم ومحاكمتهم علي يد الإنجليز وحكم بإعدام الكثيرين منهم, أن الذين رووا عن هذه الثورة لم يهتموا كثيرا بأعمالهم, وما تعرضوا له, كما فعلوا مع قيادات هذه الثورة, وعلي رأسها سعد زغلول باشا, وهذا ليس انتقاصا من هذه الزعامات العظيمة, وإنما إنصافا لهؤلاء المواطنين من مختلف فئات الشعب كان من بينهم ضباط بوليس شاركوا بحسهم الوطني في بعض هذه العمليات الوطنية وحكم بإعدامهم. كيف بدأت الثورة؟ بدأت ثورة1919 يوم الاحد9 مارس بمظاهرة طلابية خرجت من كلية الحقوق كانت تسمي مدرسة الحقوق وفي طريقهم إنضم إليهم طلبة مدرسة المهندسخانة, ومدرسة الزراعة, ثم مدرسة الطب بشارع قصر العيني, وكان جميع نظار هذه المدارس أو الكليات من الأجانب ومن شارع قصر العيني اتجهت المظاهرة التي زاد عدد أفرادها إلي شارع المبتديان, حيث مدرسة التجارة فإنضم طلبتها إلي المظاهرة. تم خلال هذا اليوم اعتقال نحو300 طالب جري احتجازهم في محافظة القاهرة في باب الخلق, ولما كانت هذه الإضرابات لم يشارك فيها طلبة المدارس والأزهر فقد شهد يوم الأثنين10 مارس امتداد الإضرابات إلي جميع هذه المدارس في الوقت الذي استمر فيه إضراب الكليات, وخرجت المظاهرات تجوب شوارع العاصمة تهتف بحياة مصر والحرية وحياة الوفد المصري برئاسة سعد زغلول الذي كانت الأمة تلح في سفره إلي باريس لإبلاغ مؤتمر الصلح الذي يعقد هناك من الدول التي اشتركت في الحرب العالمية الأولي مطالب مصر بالحرية والاستقلال, وكان المندوب البريطاني في مصر يرفض منح أعضاء الوفد التأشيرات اللازمة لسفرهم. إنتقل الإضراب إلي فئات أخري شملت المواصلات, وبعد ذلك إلي المحامين وعمال السكك الحديدية, ومن القاهرة إلي مختلف المحافظات, والمدن وفي يوم16 مارس شاركت المرأة في الثورة, وقد سارت نحو300 سيدة وفتاة في صفين منتظمين, وهن يحملن أعلاما صغيرة وطفن الشوارع الرئيسية هاتفات بحياة الحرية والاستقلال, وسقوط الحماية البريطانية عن البلاد. الصعيد يثأر لشهداء بحري كان قد بدأ من اليوم التالي للمظاهرات سقوط الشهداء والمصابين في القاهرة ومحافظات الوجه البحري, فكان أن تولت محافظات الوجه القبلي عمليات الثأر لإخوانهم الشهداء مما طبع الثورة في الصعيد بالعنف, وكان بداية هذه العمليات الهجوم يوم15 مارس علي القطار الذي وصل إلي محطة الواسطي, حيث كان من بين ركابه مستر آرثر سميث من كبار موظفي مصلحة السكة الحديد فتم قتله. وقد حكم علي ثلاثة مواطنين في هذه القضية بالإعدام, وعلي ثلاثة آخرين بالشاقة المؤبدة, ونفذ الإعدام علي من صدرت عليهم أحكامه. إعدام34 في عملية ديرمواس تعددت العمليات الفدائية التي قام بها المصريون خلال مارس1919 كان من أشهرها قضيتا دير مواس وعبد الرحمن فهمي. جرت عملية دير مواس يوم18 مارس في القطار القادم من الأقصر إلي القاهرة, وقد بدأ الهجوم عليه في ديروط ثم في ديرمواس, حيث كان بالقطار ثمانية من الضباط والجنود البريطانيين من بينهم مفتش السجون في الوجه القبلي, وهو برتبة عقيد وهي رتبة كبيرة, وقد قتلهم الثوار جميعا. أثار هذا الحادث ضجة كبيرة إذ لم يسبق حدوث مثل هذا الهجوم الذي قتل فيه هذا العدد من الإنجليز فحشدت السلطة البريطانية قواتها في ديروط وديرمواس, وقبضت علي مئات المتهمين قدمت منهم إلي المحاكمة91 متهما من بينهم ثلاثة من ضباط البوليس, وعدد من الأعيان وأصحاب الأملاك وأبناؤهم وجهت إليهم تهمة أنهم في يوم18 مارس1919 بديروط وديرمواس قتلوا أو ساعدوا علي قتل بعض الضباط والجنود البريطانيين بالقطار, وأنهم تجمهروا مسلحين بالنبابيت والعصي والطوب وأسلحة آخري بقصد مهاجمة البريطانيين الذين قد يوجدون في القطار عند وصوله إلي ديروط وديرمواس. بدأ نظر القضية أمام محكمة عسكرية بريطانية مؤلفة من سبعة ضباط انعقدت بأسيوط ابتداء من17 مايو, وتولي الدفاع عن المتهمين جمع كبير من المحامين المصريين والإنجليز أيضا, وسمعت شهادة51 شاهد إثبات و155 شاهد نفي وانتهت المحاكمة يوم19 يونيو بالحكم بإعدام50 عدلت العقوبة بالنسبة لعشرة, وبالسجن مددا مختلفة علي16 آخرين منهم اليوزباشي أبو المجد محمد الناظر نائب مأمور مركز ديروط والملازم أول عبده إبراهيم ملاحظ بوليس مركز ديروط, وحكم علي كل منهما بالسجن سنتين, وبعد وساطة رئيس الوزراء محمد سعيد باشا عدلت أحكام الإعدام بالنسبة لستة, وبذلك أصبح عدد المحكوم عليهم بالإعدام34 مواطنا نفذ فيهم جميعا الحكم. وفي الأسبوع نفسه حكم علي البكباشي محمد كامل محمد مأمور بندر أسيوط بالإعدام لاتهامه بالتحريض علي مهاجمة البريطانيين وتسليحه عددا من الثوار ببنادق البوليس والخفر مما شجعهم علي الهجوم الذي جري علي الحامية البريطانية في أسيوط. وقد حاولت وفود عديدة سافرت من أسيوط إلي القاهرة تخفيف الحكم عن هذا البكباشي الذي كان مثالا للوطنية والخلق رتبة بكباشي تعادل حاليا رتبة مقدم, وأشهر من حملها جمال عبدالناصر وأنور السادات وكانا برتبة بكباشي عند قيام الثورة. لم تفلح مساعي الذين حاولوا تخفيف الحكم علي محمد كامل, وكان الأمر يحتاج بسبب ظروف الأحكام العرفية التي فرضتها السلطة البريطانية إلي تصديق الحاكم العسكري البريطاني, فقام بالتصديق, ونفذ فيه الحكم رميا بالرصاص يوم الثلاثاء10 يونيو.1919 ge.gro.marha@tnomhalas المزيد من أعمدة صلاح منتصر