حجارة, عصي كهربية, قنابل غاز قديمة منتهية الصلاحية, وأيضا رصاص, سيارات سوداء يتصدر سطحها جندي ممسك ببندقية.. أظنها أبدا لم تكن مصوبة نحو السماء تصطاد العصافير, أفراد الأمن المركزي بملابسهم السوداء الكئيبة وخوذاتهم السوداء أيضا الكئيبة.. ودروعهم أمامهم تحميهم من الحجارة لكنها أبدا لن تحميهم من غضب القلوب وثورة العقول. شباب ذهب للميدان بقلبه وعقله ليذكر أولي الأمر أن شهداء سقطوا هناك, زهور قطفت قبل الأوان. وخرج أيضا شباب يشبهونهم يذكرونهم جيدا فقد سقطوا بجوارهم, ذهبوا للميدان مع أهالي الشهداء.. يساندونهم من اعتداءات همجية وقعت عليهم, ساندوا أما أحبت وليدها, قرة عينها وقلبها الذي ينبض في صدرها.. كبر الوليد وأصبح هو كل الحياة.. ينشرح صدرها حين تراه, هو الهواء والماء.. هو كل الأشياء خرج وليدها, رجلها باحثا عن كرامته, عن حريته, عن وظيفة هي حق له, عن دواء لشقيقته عن بيت يضمه وحبيبته.. أيضا هذا أبسط حقوق البشر أحلام عادية وليست بالمستحيلة, خرج شباب يبحث عن الطريق ليحقق بعض الحلم ولكنه سقط أول الطريق.. سالت دماؤه وغطت وجهه الصبوح, ملأت الدماء عينيه لم يعد يري الحلم ولم تعد تراه أمه ربما تراه في الحلم, ذهبت الأم للميدان حيث تشم رائحة وليدها صغيرها حبيبها هناك ربما تري طيفا يشبهه في شباب الميدان, شاهدها ذو الرداء الأسود.. اعتدي عليها.. ضربها بقسوة أهانها ولم تشعر بالألم.. فالألم داخلها عظيم.. آه لو كان صغيرها, رجلها بجوارها لدافع عنها بحياته.. لصد عنها الاهانة ولكن كان هناك رجال آخرون شباب يشبهون ولدها جاءوا لحمايتها.. كل أدواتهم الحجارة علي الطريق.. لم يرحمهم العسكري الأسود الكئيب, بالحجارة بالغاز بالرصاص بسلاحه الجديد العجيب السيف الحديد وقف يرقص به بنشوة غريبة وإيماءات بذيئة, يمسك بالسيف يرقص به يهدد به الجميع. من الصعب أن تمر هذه الأحداث مرور الكرام, لايمكن أن تمر علي من يريد الاصلاح, كنا نظن أن مشاهد معركة الجمال والحمير قد ذهبت وولت, إنما وجدنا معركة راقص الفالس العسكري الأسود يعتدي علينا جميعا برقصته المستفزة والتي لم تحرك أحدا من ضباطه في الميدان ليوقفه, ليمنعه لابد أن تكون هناك وقفة من القائمين علي هذا البلد, ليعرف الجميع أنه لايمكن أن نكرر اعتداء علي متظاهرين الآن.. وكأن الثورة لم تقم والنظام لم يسقط.. وكأن كرامة المصريين مازالت تدوسها الأرجل وتضربها السيوف.