بين ثورتي يوليو ويناير لم تختلف الظروف كثيرا, وإن اختلفت الوسائل والسيناريوهات بين ثورة يوليو52 التي يمر عليها غدا59 سنة, وثورة25 يناير التي تجتاز شهرها السادس بعد أيام. فمن يعيد اليوم قراءة البيان الذي أذيع مبررا لقيام الثورة صباح يوم23 يوليو ثم الإنذار الذي وجه إلي الملك فاروق للتنازل عن العرش, يجد التشابه واضحا في أسباب الثورتين وهو الفساد. فالجملة الأولي في بيان يوليو تقول: اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرارر الحكم, وهي جملة يمكن استخدامها بنفس كلماتها دون أي تغيير لوصف الحالة التي وصلت إليها مصر في يناير الماضي سواء من حيث الرشوة والفساد وعدم الشعور بإستقرار الحكم مما كان من مظاهره( قبل يناير) سؤال كل واحد للآخر عند لقائه: توقعاتك إيه واحنا رايحين علي فين؟ صحيح أن هذا هو نفس السؤال الذي يجري اليوم علي الألسنة نتيجة الظروف التي تحققت فيها ثورة يناير والتشابكات التي جرت بين ميدان التحرير والحكومة والمجلس العسكري, لكن الفرق أننا في الفترة السابقة كنا نشعر بأننا غرباء في بلدنا وأن ما نسأل عنه سيقوم آخرون بالإجابة عليه, بينما اليوم أصبحنا نشعر بأنه لم يعد هناك الضمير الغائب وأننا نحن الذي سيقرر ويحسم المستقبل. إنذار إلي فاروق أم إلي مبارك ولم تختلف كثيرا المبررات التي استند اليها الإنذار الذي وجهته ثورة يوليو إلي الملك فاروق عن التي كان يمكن أن يتضمنها أي إنذار يوجه إلي حسني مبارك, فقد جاء في الإنذار الذي وجهه الجيش إلي فاروق يوم26 يوليو52 ما نصه نظرا لما لاقته البلاد في العهد الأخير من فوضي شاملة عمت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور وامتهانكم لإرادة الشعب حتي أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن علي حياته أو ماله أو كرامته, ولقد ساءت سمعة مصر بين شعوب العالم من تماديكم في هذا المسلك, حتي أصبح الخونة والمرتشون يجدون في ظلكم الحماية والأمن والثراء الفاحش والإسراف الماجن علي حساب الشعب الجائع الفقير, ولقد تجلت آية ذلك في حرب فلسطين وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة وما ترتب عليها من محاكمات تعرضت لتدخلكم السافر مما أفسد الحقائق وزعزع ثقته في العدالة وساعد الخونة علي ترسم هذه الخطي فأثري من أثري, وفجر من فجر, وكيف لا والناس علي دين ملوكهم, لذلك فقد فوضني الجيش الممثل لقوة الشعب أن أطلب من جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولي عهدكم الأمير أحمد فؤاد, علي أن يتم ذلك في موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم السبت الموافق26 يوليو1952, ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه. والجيش يحمل جلالتكم كل ما يترتب علي عدم النزول علي رغبة الشعب من نتائج إمضاء: محمد نجيب. فريق أركان حرب. إقطاع الأراضي الزراعية وأراضي البناء وإذا كان هدف أي حكم هو تحقيق الإصلاحات التي تمتد آثارها إلي مختلف فئات الشعب فقد كانت الصورة واحدة في مصر سواء قبل ثورة يوليو أو ثورة يناير من حيث عدم تحقق العدالة الاجتماعية. فقبل يوليو انعدمت العدالة الاجتماعية نتيجة الفوارق الشاسعة بين طبقات الشعب وتكون طبقة قليلة العدد تملك كل شيء وأخري كبيرة العدد لا تملك أي شيء. وكانت ملكية الأرض الزراعية أهم مظاهر إقطاع الطبقة السوبر( كانت مساحة الأرض الزراعية في مصر عندما قامت ثورة يوليو5.9 مليون فدان يملكها2.7 مليون مالك منهم61 فقط يملك كل منهم أكثر من ألفي فدان و127 يملك كل منهم من ألف إلي ألفين و92 مالكا يملك كل منهم من800 إلي ألف فدان, وفي المقابل كان هناك أكثر من مليونين و300 ألف يملك كل منهم أقل من فدانين!) نفس الشيء أصبح قائما عندما اندلعت ثورة يناير ولكن بعد أن تغير مظهر الإقطاع من ملكية الأرض الزراعية إلي ملكية أرض البناء والقصور والمنتجعات والطائرات الخاصة واليخوت. وبينما انتشرت1221 منطقة عشوائية في البلاد ظهرت مناطق الخاصة شبه جيتو مقصورة علي مليارديرات الزمان الجديد. ومع أن نسبة النمو في السنتين الأخيرتين قد وصلت إلي سبعة وثمانية في المائة وهي نسبة عالية, إلا أن ثمار هذه التنمية لم تذهب إلي المواطنين البسطاء وإنما أضافت إلي الطبقة السوبر البالغة الثراء فزادتهم غني ووسعت الفوارق بين الذين تحت خط الفقر والذين فوق حد الثراء! ثورة حكمت وثورة لا تحكم ورغم تشابه المبررات التي أدت إلي الثورتين في يوليو ثم في يناير بعد59 سنة إلا أن بينهما اختلافا كبيرا في الوسائل والسيناريوهات: فثورة يوليو كانت انتقالا بنظام الحكم من الملكية إلي الجمهورية, وبالتالي كان ولابد من البدء بدستور جديد يحدد أساس هذا النظام الجديد الذي لم تعرفه مصر من قبل, بينما في ثورة يناير كان الانتقال في داخل نظام واحد هو النظام الجمهوري, إلا أنه جري الانحراف به بحيث أصبح ممكنا وصفه بالجمهورية الملكية. فعلي مدي ثلاث جمهوريات عبد الناصر والسادات وأخيرا مبارك لم تنته أي جمهورية بإرادة رئيسها وإنما بإرادة القدر في الجمهوريتين الأولي والثانية, وإرادة الشعب في الجمهورية الثالثة التي زاد عليها مبارك رغبته في توريثها لابنه! وفي ثورة يوليو فقد قام بها الذين تولوا الحكم فعلا. صحيح أنهم لم يخططوا للحكم وأنهم كما كشف الأستاذ أحمد حمروش أخيرا وقد كان من ضباط الثورة اضطروا للقيام بانقلاب عسكري بعد أن تأكد لهم أن الملك فاروق كشف أفراد تنظيم الضباط الأحرار, فأصبحوا أمام أن يقضي فاروق عليهم أو أن يقضوا هم علي فاروق, فكانت الحركة المباركة كما أطلقوا عليها, وقد وجدت ترحيبا من الشعب الذي كان يسعده التخلص من حكم الملك فاروق. ثورة يناير لم يكن مخططا لها, والشباب الذين بدأوا تظاهراتهم يوم25 يناير الذي يوافق يوم عيد الشرطة كانوا يهدفون إلي العكننة علي الشرطة في يوم عيدهم باعتبارهم قبضة الدولة التي تمثل العنف والقمع. وقد تداعت الأحداث بسرعة مع تأييد الشعب ودعم القوات المسلحة مما أعطي الشرعية للثورة ولمطالبها, التي بدأت بإنهاء حالة الطواريء والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإقالة الوزارة إلي المطالبة برحيل مبارك وإسقاط النظام. لكن علي عكس يوليو التي كان الثوار لهم تنظيم وقيادة وأهداف وقادرون علي الحكم, فإن ثورة يناير لم تكن منظمة ولا محددة أهدافها قبل أن تخرج إلي الشارع ولا قيادة لها, وبالتالي بسبب السن وعدم الخبرة لم تكن لديها القدرة علي الحكم. وهذا بدوره أعطي فرصة لمن تصور أنه يمكن أن يقود هذه الثورة, وأصبح كل من قضي ليلة في ميدان التحرير علي حد وصف الكاتب المبدع وحيد حامد يصف نفسه بأنه زعيم الثورة! المزيد من أعمدة صلاح منتصر