بعد أن رأي وسمع وقرأ وتعلم قرر السفير هادي التونسي أن ينقل تجربته الي بني وطنه فأمسك القلم وألف كتابه الأول بين الدبلوماسية والنفس.. هو في الأصل طبيب بشري استهوته الدراسات النفسية فمارسها للتعلم الذاتي ثم التحق بالعمل الدبلوماسي ليصقل علمه في مدرسة الحياة وتجارب الشعوب من خلال أسفاره للأمريكتين وأوروبا وآسيا ثم إفريقيا اصبح سفيرا لمصر في ناميبيا يعيش بإحساس أنه مدين لبلده ولكل من تعلم منهم فأراد أن ينقل تجاربه لمن يهتم ليفكر ويقرر لنفسه وعلي مسئوليته. وفي هذا الكتاب يتناول المؤلف قضايا تحدي الفكر, بعضها كتبه من خلال قصص من واقع الحياة وبعضها جاء نتيجة تأملاته في الكون الواسع من حوله. والكتاب كما يقول أستاذنا يوسف الشاروني في تقديمه له هو نموذج مبتكر لأدب الرحلات لأنه يثير من الفكر أكثر مما يسرد من الوقائع بقلم كاتب متفتح واسع الثقافة فجاء اسلوب الكتاب مرتفعا احيانا إلي لغة الشعر وملامسا احيانا اخري شواطئ السرد القصصي, وفي الكتاب يقدم لنا المؤلف خلاصة غربته خارج وطنه من خلال اشعاره وذائقيته ولو حذا معظم الدبلوماسيين حذوه يقول الشاروني لأصبحت عندنا مكتبة عظيمة نطل من خلالها علي غيرنا من الشعوب في عالمنا المعاصر ولكان ذلك ربما هو طريقنا الحقيقي الي فهم الآخر والتواصل معه, ولكن ما هي علاقة الدبلوماسية بعلم النفس؟ سؤال يطرح نفسه ويجيب المؤلف فيقول انها علاقة وثيقة ولا شك لأن الدبلوماسية عمل مبني علي الاتصال بالآخر وبالبشر والشعوب وعلي كل مستوياتهم. وعلي الرغم من حجم الكتاب الصغير نسبيا فإنه يقدم واحدا وعشرين موضوعا تحكي عن البشر والحيوان والبحر والمدن والمجتمعات متعددة الثقافات متباينة السياسات, كما يحكي عن صناعة الأسوياء هل هي ممكنة أم تظل مجرد حلم ليوتوبيا لن تتحقق في عالم يسوده منطق الصراع ان كان للصراع منطق ثم يرسم صورة للقوة الناعمة في مواجهة القوة الباطشة الغاشمة التي تسعي لقهر الآخرين, أما القوة الناعمة فهي صفاء النفس والقدوة التي تهدف الي صالح الغير وسيادة العقل والمنطق ويضرب المؤلف مثلا من أفكار غاندي عن العمل السلمي وعن فكرة التغيير من خلال قصة واقعية لشاب مصري اراد ان يتقدم للخدمة العامة فانضم الي كل المنظمات التي توسم فيها تحقيق هدفه حتي انتهي الي اعتناق مقولة زعيم الهند العظيم كن أنت التغيير الذي تريده للعالم وهكذا بدأ بنفسه ليكون القدوة للأخرين, وفي مقال آخر يدعونا المؤلف إلي ان نستمع لحواسنا وان نعيش في الآخر لنكسر سجن النفس ونمنح الحياة طاقتنا فنعمر الارض عملا وبناء وحبا وخيرا ونقاء عندما نخرج من سجن الذات. وفي رسالة الي ابنته ينصحها السفير هادي التونسي بأن تتخذ البحر صديقا لأن البحر يعلمنا خلود التغيير, فهو يبدأ موجة صغيرة تكبر يرتفع هديرها لتموت علي الشواطئ ثم تولد من جديد, وهكذا الانسان من ميلاده الي بعثه ولا يفوت المؤلف ان يضرب لنا مثلا حيا علي دور مصر الإفريقي من خلال ناميبيا التي يسكنها مليونان من البشر في مساحة تساوي مساحة مصر ولا ينسي شعبها شارع أحمد حشمت بالزمالك عندما كان مقرا لمنظمة التحرير الافريقية ومدرسة لمعظم زعماء القارة السمراء. * سامي فريد