سيدة الشعر الأحمر وإمبراطورية الفضائح كان صعودها في بلاط صاحبة الجلالة, مثيرا ومذهلا. فقد بدأت كسكرتيرة في صحيفة أخبار العالم البريطانية. وهي صحيفة تتسم أخبارها بالاثارة.. وتجنح نحو الجريمة والجنس. وصارت اكثر صحف الاحد مبيعا. ولذلك كانت درة التاج في الامبراطورية الاعلامية لروبرت ميردوخ! غير أن السكرتيرج ربيكا واد لم تقنع بوظيفتها. فقد كانت فتاة طموحة وجامحة. وتمكنت, في نحو عشر سنوات من أن تصبح رئيسة لتحرير أخبار العالم. ووثقت علاقتها بالقطب الاعلامي ميردوخ. وحققت قفزة كبري عندما عينها رئيسة لتحرير صحيفة صن اليومية عام.2000 وتفتق ذهنها عن فكرة فضائحية بقصد زيادة التوزيع, وفقا لمعايير صحف الاثارة والثرثرة. ودأبت علي نشر صورة يومية لفتاة متجردة من ملابسها علي الصفحة الثالثة. واستفزت الصفحة نائبة عمالية مشهورة هي السيدة كلير شورت. وأعربت عن استيائها. واكدت رغبتها في منع مثل هذه الصورة العارية. وما أن نما إلي علم ربيكا هذه الانتقادات, حتي شنت علي النائبة حربا ضارية. ويكفي الاشارة إلي أن ربيكا أرسلت أتوبيسا علي متنه عارضات أزياء شبه عاريات إلي منزل النائبة. ومارسن, في فجاجة, السخرية منها. ونشرت صورة ملفقة لوجه كلير علي جسد لفتاة متجردة من ملابسها. مآساة أخلاقية تقترفها رئيسة تحرير. وهي تكشف عن مآساة سياسية أدهي وأمر. ذلك أن صحف امبراطورية ميردوخ تقتحم الحياة الحزبية, وتشيع حالة من الخوف بين النواب وزعماء الأحزاب. وهذا ما يعترف به كبار المحللين السياسيين. وكان تأثير هذه الصحف طاغيا. فاذا أعرب ميردوخ عن تأييده لحزب العمال, فمعني هذا فوزه, ضمن أسباب أخري, في الانتخابات, علي نحو فوز توني بلير عام.1997 واذا غير توجهه, وأيد حزب المحافظين, فمعني هذا فوز ديفيد كاميرون. ولم يكن غريبا أن يزور ميردوخ كاميرون بمقر مجلس الوزراء, ولم يمض علي شغله لمنصبه نحو أربعة وعشرين ساعة. واستخدم بابا خلفيا لهذا اللقاء المثير. وكانت ربيكات وزوجها وابنة ميردوخ وزوجها يمضيان سهرات عديدة مع كاميرون وزوجته. وهو ما يشير إلي النفوذ الذي كانت تتمتع به ربيكا بروكس, نسبة الي زوجها الجديد شارلي بروكس, مدرب الجياد السابق. غير أن ربيكا, ذات الشعر الغجري الأحمر, تفجرت من حولها فضيحة مدوية. فقد كشفت تحقيقات رسمية أن صحيفتي أخبار العالم وصن قد مارستا القرصنة والتنصت علي تليفونات أربعة آلاف من المشاهير والسياسيين والمواطنين بقصد نشر ما يتسني لهما من فضائح شخصية. وبدت ربيكا متورطة, وتكاد أن تكون آثمة. والمثير أن الفضيحة طالت اندي كولسون رئيس تحرير أخبار العالم حتي عام.2007 وكان ديفيد كاميرون قد عينه مديرا للاتصالات في مكتبه. وعندما تبين تورطه قدم استقالته. غير أن السلطات اعتقلته منذ أيام. وعندئذ جمحت التكهنات حول مسار كاميرون ومصيره. ولم يجد ميردوخ مفرا من الفضيحة سوي الاقدام علي اغلاق صحيفة أخبار العالم. ولكن هذا لا يعني الافلات من الورطة وبراثن الفضيحة. ان الصحافة كمهنة ورسالة للتنوير والتثقيف لا علقة لها اطلاقا بفضائح سيدة الشعر الأحمر, وثقافة الثرثرة. لقد كان الفيلسوف الالماني الكبير هيجل يقول انني أقرأ الصحف في اجلال, مثلما أؤدي صلاتي اليومية.. وقتها لم يكن ميردوخ وربيكا وأمصثالهما يعيثون في الصحف فسادا عبر تكريس ثقافة الاثارة ونفي العقل. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي