تنهي الكاتبة والباحثة اللبنانية يسري المقدم كتابها الجديد الحريم اللغوي الصادر مؤخرا عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر بحكم لافت للنظر . اذ تؤكد ان معظم الانتاج الروائي الذي حققه المؤنث يبقي موسوما بالمحاكاة علي مستوي اللغة في علاقتها بالذاكرة والسرد مشيرة الي ان سرديات المؤنث اللغوي عاجزة عن انتاج الفعل اللغوي او اثراء الذاكرة الجمعية لأن اللغة وعاء يضم سائر القوانين والابنية والاحكام والمعايير المؤسسة للمفاهيم التي تفرق بين المؤنث والمذكر, فسؤال الفصل بين المؤنث والمذكر لا يقف عند حدود اللغة التي هي ليست بنية مجردة. ولعل هذا الحكم الذي يصل اليه القارئ في الصفحة الاخيرة من الكتاب يحبط بطريقة أو بأخري اولئك الذين توقعوا ان يكون الكتاب نصا من تلك النصوص التي تتوسل بالبحث اللغوي مدخلا لإنصاف المرأة ذلك علي الرغم من ان الكتاب يحقق ذلك الهدف بطريقة او بأخري الا ان اللافت للنظر فعلا ان غالبية احكام الكاتبة لاتنطلق الا من انشغال حميم بهاجس اللغة, الامر الذي يجعل من قراءة الكتاب نوعا من انواع الجهاد, فهو كتاب نخبوي في لغته ومجتمعي في مسعاه, فالمقدم كتبته كما قالت في حوار لها انطلاقا من ان الاحكام النحوية والصرفية استنسخت واقع الحريم الانساني المحكوم بالنظام الابوي المهيمن الذي هو مرجعية النظام اللغوي ذاته, ومن ثم فالكتاب يحوي محاولة ضمنية لتفكيك بني هذا النظام. ويذكر هذا الطموح بكتاب الناقد السعودي عبد الله الغذامي المرأة واللغة الصادر في عام1996 لكنه يفتح بابا جديدا عبر اللجوء الي النحو لتأكيد الفرضية التي تعمل عليها الباحثة وهي فرضية شديدة الاغراء لأنها تنطلق من مساءلة اللغة بحكم ان اللغة هي المكان الذي يكشف فيه الواقع عن نفسه كما يقول الفيلسوف الالماني هايدجر. وربما لهذا السبب تشن الكاتبة حربا علي النحو لأنه علي حد قولها : متواطئ مع سائر اعضاء الجسم الفقهي والاجتماعي العام. وتتساءل الكاتبة: من ورط اللغة العربية وأوقعها في شرك نظام لغوي يستبد بها مرة, وبالمؤنث مرات؟ لكنها تعمل طوال الصفحات علي مساءلة نظامها الذي انتحل سلطتها, اذ تلاحظ ان النحو يتحكم في ثنائية النوع الانساني, فيحيل الذكر علي الاصل, والانثي علي الفرع, ومن ثم يجنح النحو الي الانحياز والتفرقة, فهو يعطي للذكورة الملك والعرش, ويستضعف المؤنث. وتفند الكاتبة حجج النحاة العرب في مسائل التأنيث والتذكير وتقاوم صورة رسختها المرويات الدينية والاسطورية التي نهض علي اساسها البنيان الذكوري الذي امتدت هيمنته الي اللغة اذ يجرد المؤنث من اماراته الدالة علي نوعه بدليل انها تسقط عنه( هاء التأنيث) متي تكفل بأمور ومعاملات هي في الاهم من اعمال الذكور فيقال علي سبيل المثال: هذه وكيلي, وهذه وصيي, ومثل تلك الامثلة تنطوي علي دلالة بحسب رأي الكاتبة تضع المؤنث في المرتبة الادني, لذلك تدعو في اكثر من مكان الي الاجتهاد لاستنباط قواعد مغايرة موثقة بالكتابة لتحرير ضمير اللغة. وتنتهي المؤلفة الي القول: الابداع هو الآخر سلطان ابوي جائر همش ابداعات المؤنث وعنفها بالتمييز ما بينها وبين ابداعات المذكر, فالتمييز بحسب رأيها شكل من اشكال العنف أو بتعبير آخر نوع من العنف الاساسي يستهدف ماهية الانثي وينتقص من حقها في المساواة باختزالها في وضعية المستثني. وعلي هذا الاساس تصل المؤلفة الي يقين مفادة ان افتعال حيز ابداعي ينسب الي المؤنث تخصيصا مثل كتابة النساء ليس الا بدعة ذكورية مخترعة في واقع الامر لا شأن لها علي الاطلاق بمراعاة الخصوصية او الاختلاف. كما تشير الي ان الانجازات الابداعية الموهومة المحسوبة للمؤنث بفضل قراءة نقدية متعجلة ظلت عاجزة في الاغلب الاعم منها عن التحرر من لغة السيد الذكر ومعاييره وسطوته.