حوار: عبدالرءوف خليفة يملك محمود عبد العزيز رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى ورئيس اتحاد البنوك الأسبق، فى جعبته كثيرا من الاسرار والرؤى والأفكار.. الحديث إليه يرتاد مناطق متنوعة فيها كثير من الخطر، وقليل من الأمان.. لكنك فى نهاية المطاف أمام عقلية مصرفية تأصلت بخبرات عميقة موغلة فى الحياة. لكل قضية يطرحها منهج يسير على دربه وكل سر يبوح به أشبه بلغم يوشك على الانفجار.. فقد عاش زمنا طويلا فى دهاليز المال والأعمال فى حديثه جاب كل المناطق.. قوة النفوذ وقسوة الفساد ووسط زمام الماضى يعبر إلى الحاضر والمستقبل، وصولا لافكار تعيد البناء وترسم الأمل. فى هذا الحوار يتحدث محمود عبد العزيز. استعادة الأموال المهربة للخارج فى حسابات سرية بالبنوك أمر مستحيل أم يمكن تحقيقه على أرض الواقع؟ رغم حالة السجال السائدة داخل أوساط الرأى العام ووجود أطراف متفائلة وأخرى متشائمة فإننى أتوقع استعادة هذه الأموال فى غضون فترة زمنية قصيرة لو تمت إدارة المعركة بحنكة سياسية والنظر فى عمق القضية. مايجرى الآن فى هذا الشأن ليس لى ملاحظات استطيع تسجيلها، فالإيقاع منضبط إلى حد كبير وتنفذ السيناريوهات على نحو يدعو للتفاؤل لاستعادة الأموال المغتصبة فى الداخل والمهربة للخارج. وأتصور طالما بقيت رموز الفساد فى محبسها رهن التحقيق فإن الأموال بدون جدال استردادها أمر يقبل تطبيقه على أرض الواقع.. فهناك كثير من الأموال المهربة فى الخارج ويصعب اكتشافها أو تحديد مكانها إلا من خلال اصحابها وهذه هى المعضلة الأساسية التى لايمكن ايجاد حلول جادة لاكتشافها إلا بالضغط على ناهبيها ووجودهم فى الحبس ورقة ضغط جادة تدفعهم للتفكير كثيرا فى قبول الأمر وأحذر من مغبة الإفراج عنهم دون ذلك . تتصارع الأفكار حول الشكل الذى يمكن به استغلال الأموال المستردة محليا وخارجيا إلى أى شكل تنحاز؟ التقيت وزير المالية الدكتور سمير رضوان وتحدثت إليه حول إطار من شأنه ضبط ايقاع أوجه إنفاق الأموال المستردة وفى يقينى أن هذا الاطار يشيع نوعا من الرعاية الحقيقية لفئات فى المجتمع اكتوت ومازالت تكتوى بنار السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى خلفت منهم نماذج اجتماعية مشوهة تكابد مرارة الصراع على حياة كريمة. افترضت انشاء حساب لهذه النوعية من الأموال.. تديره مجموعة عمل تضم الدكتور عبد العزيز حجازى ووزيرى المالية والتضامن الاجتماعى ورئيس مجلس الدولة وممثلا عن المجلس العسكري، وتنفق الأموال فى رافدين أساسيين.. الأول رفع أجور العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة والثانى إعانة بطالة لمن لم تتوافر له فرصة عمل وتقدر الإعانة شهريا ب300 جنيه لكل شاب والبدء فى تنفيذ ذلك بغلق باب العنف السائد فى المجتمع ويشعر الشباب بأن هناك شيئا قد تحقق على أرض الواقع. وفق تصورى أنه عندما يفتح الباب لولوج الأموال المستردة محليا فقط ستبلغ قيمتها فى الشهر الأول 3 مليارات جنيه وخلال ستة أشهر يتوقع وصول قيمتها لاكثر من 20 مليار جنيه ونقيس على ذلك الأموال المهربة خارجيا والتى مازال حجمها غير محدد القيمة وهذه الأموال المستردة داخليا وخارجيا لاشك فى أنها ترفع عبئا جسيما من فوق كاهل الدولة وتحدث انفراجة فى مواجهة المطالب الفئوية التى تعطل حركة الإنتاج. الدولة لديها معركتان أساسيتان تشكلان عبئا على الموازنة العامة للدولة: ارتفاع معدلات البطالة فى ظل تباطؤ نمو الاقتصاد ورفع الحد الأدنى للأجور وقيمة الأموال المستردة حسب المتوقع توفر أدوات المعركتين. إذا كانت الأموال المستردة فى تقديرك تعين الحكومة على التصدى لمعركتى البطالة والاجور، فما الذى يدعو إلى المطالبة بإصدار سندات طويلة الأجل؟ البحث عن إيجاد حوافز مالية تعيد الحيوية لجسد الاقتصاد الذى تمكن الوهن منه فى الوقت الراهن.. مطلب حيوى ولابد من التعامل معه على وجه السرعة للخروج من الأزمة على نحو يجنبه الوصول إلى حافة الخطر . السندات جزء من مقترح يسهم بفاعلية فى دفع عجلة النمو والتعافى وكلامى فى هذا الصدد يدعمه سندان أساسيان الأول قيمته 20 مليار جنيه لمدة عشرين عاما للطبقة المتوسطة ويتمتع بسعر فائدة 14% ويخصص لدعم البنية الأساسية والثانى لمدة 30 عاما وقيمته 50 مليار جنيه ويتمتع بسعر فائدة من 5 إلى 16% ويوجه لدعم مياه الشرب والصرف الصحى والتعليم والصحة. فى الوقت الذى يتصدى فيه خبراء الاقتصاد لفرض ضرائب جديدة تطالب أنت بإقرار ضريبة استثنائية لمدة ثلاث سنوات ؟ هذه النوعية من الضرائب لم تأت من بنات أفكارى ولاتحمل فى ثناياها شيئا جديدا.. فقد عرفها المجتمع المصرى فى وقت الحروب والأزمات، وحددها بمدة زمنية بعدها تنتهى وتسهم فى توفير الدعم المالى اللازم لسد العجز الموجود فى الموازنة الجديدة وهذه الضريبة تفرض على من لديه حجم استثمارات تزيد على 10 ملايين جنيه. ويقينا ان رجال الأعمال والمستثمرين لم يعترضوا عليها كون المجتمع يمر بمنعطف خطير يحتاج لتضافر الجهود حتى تتجاوز الأزمة ولن تحدث جدلا، كما فعلت الضريبة التى طالبت المالية بتطبيقها على حركة تداول الأسهم فى البورصة رغم انها ضريبة متعارف عليها فى أسواق المال العالمية.. مما اضاع على الدولة اموالا طائلة كان من الممكن ان تسد جزءا من الفجوة التمويلية. على اعتبار انك من المصرفيين البارزين ألا تجد ان الواقع يتطلب اعادة النظر فيما يتقاضاه رؤساء وأعضاء مجالس إدارات البنوك بفرص ضريبة خاصة على دخولهم؟ أعترف بأن هناك فسادا يشوب التعامل مع قيادات البنوك بدءا من اختيارهم فى المواقع القيادية ومنحهم رواتب ومكآفات خيالية نظير أعمال لايستحقون عنها كل هذه الأموال التى يتقاضونها مما يحتم اعادة النظر فى صياغة تلك الأوضاع المهربة والتى شجعت بشكل أو بآخر على أن يضرب الفساد قطاع البنوك وتهدر الكفاءات. ليس من المقبول فى شيء أن يتحصل قيادات البنوك على حوافز ومكافآت دون إخضاعها للضريبة تحت مسميات مختلفة ولذلك بات من الأهمية بمكان ضرورة النظر فى إخضاعها لذلك أو اعادة النظر فيها بما لاتتجاوز حدا يتلاءم مع الرواتب فى مؤسسات أخرى على نفس المستوى . هناك تناقض بين ماتنادى به من فرض ضرائب ورغبتك بإسقاط اجزاء من المتأخرات ا لضريبية لدى بعض رجال الأعمال؟ أفرز التعامل مع الملف الضريبى اختلالا للمعايير وفرض سياسة الكيل بمكيالين.. رجال أعمال تحيط بهم العناية والرعاية وآخرون تحاصرهم المشاكل الضريبية المعقدة التى تضر بالاستثمارات وتصيبها بالعطب وتكبلها بقيود صعبة. للضرائب اكثر من 05 مليار جنيه متأخرات ضريبية فى ذمة بعض رجال الاعمال ويدور حولها الآن نزاعات قانونية غير مبررة. المجتمع يفتح صفحة جديدة مع الواقع وأتصور أن إيجاد صيغة قانونية بما يحفظ حق الدولة ويزيل حجم المبالغات.. خطوة يحتاج إليها الوضع السائد والإقدام عليها سيكون له بالغ الأثر فى النمو وتشجيع الاستثمار ويطوى صفحة من الخلافات والنزاعات، وهذا لن يضر بحقوق الدولة. الوضع الاقتصادى السائد أفرز رجال اعمال جادين؟ رغم الاتجاه صوب فتح أفق أرحب للقطاع الخاص كى يتبوأ مكانة حقيقية فى المنظومة الاقتصادية .. إلا أن الشواهد لم تكن تبشر بمستقبل اقتصادى حقيقى يدفع الاقتصاد الى النمو والازدهار. من بين وضع مهتريء وهش.. بزغ رجال أعمال جادون ولديهم رغبة صادقة باضافة شيء للاقتصاد المصرى عبر مشروعات تنموية تقيم بنية اقتصادية تستطيع ان تتحدى أنواء العواصف، وهم من كتب لهم القدر الاستمرار وعدم التأثر بالتقلبات الاقتصادية والسياسية وعددهم لايتجاوز 80 رجل اعمال. هؤلاء أدوا ما عليهم من واجبات وخلقوا لاستثماراتهم واقعاً مغايراً.. أما بقية مايطلق عليهم رجال أعمال فكانت لهم طرق وأساليب تفتح لهم ابواب الحصول على المال دون إقامة مشروعات اقتصادية جادة.. فأضروا بالاقتصاد منذ ما يقرب من 15 عاما وضعت أساس بنك الفقراء وفجأة أجهضت الفكرة وقتها دون سبب واضح؟ كنت أريد إقامة مؤسسة مصرفية تكون حصنا للأمان وملاذا للفقراء وبزغ من بنات افكارى تصور يشبه بنك الفقراء الذى اسسه الدكتور محمد يونس فى بنجلاديش مع اجراء بعض التعديلات لتتلاءم مع الواقع المصري، واتخذت خطوات جادة قطعتها على درب الطريق وتكونت فى النهاية صورة البنك كاملة ورسخ للفكرة الدكتور عبد العزيز حجازى ولطفى واكد. وواجهت المبادرة عقبات قوية حالت دون خروجها للنور كونها تعكس للعالم الخارجى واقعا صعبا يعيش تحت وطأته المجتمع المصري.. هكذا صور البعض الفكرة لسوزان حرم الرئيس السابق.. فتحايلت على الموضوع بتغيير المسمى من بنك الفقراء الى بنك الأمل. لم أكن افكر فى شيء آخر سوى أن تخرج تلك الفكرة الى النور لتساهم فى تغيير واقع الفقراء.. خاصة بعدما تبلورت الصورة فى شكلها النهائى وبات للبنك رأسمال 05 مليون دولار ولم يبق غير إطلاق الفكرة فى المجتمع لتأخذ مجراها الطبيعي. فجأة توقف كل شيء ووجدت الفكرة تحاصر بقيود صارمة يصعب الفكاك منها.. فقد أعطى الدكتور كمال الجنزورى رئيس مجلس الوزراء وقتها تعليمات صارمة لاسماعيل حسن محافظ البنك المركزى بوأد فكرة البنك.. بعدها علمت ان ما حدث جاء نزولا على رغبة حرم الرئيس السابق. وحاولت كثيرا على مستويات عديدة خلق رأى عام يخلق نوعا من التعاطف مع المشروع حتى يرى النور.. لكن سوزان حرم الرئيس السابق اغلقت عليها الأبواب وألقت بها فى هوة قاع سحيق ولم تخرج من يومها أو تطرح للمناقشة ولم أكن أملك ما يعيننى للدفاع عن الفكرة. الوضع السياسى تغير ويمكنك إحياء فكرة بنك الفقراء أم ان خيوطها تلاشت فى زحام السنين؟ الأفكار الرائعة لا تموت بفعل الزمن ونهر الخير لابد له ان يتدفق.. حتى ولو وجد من يتصدى له ليوقف سريانه والفكرة حاضرة وشخوصها باقون.. صحيح ان الزمن والعمر جرى بهم.. لكن الاستعداد قائم وهذا ما بدأت اتخاذه من اجراءات كى نعيد المشروع للحياة مرة أخرى ويعاوننى فيه أحمد قورة رئيس البنك الوطنى سابقا ويقينى ان الأيام القادمة ستكون خير عون للاسراع نحو إقامته. الوضع الاقتصادى السائد هل ينتظره مصير مجهول؟ ما تلوكه الألسنة حول مخاطر محدقة تحيط بالاقتصاد المصري.. مجرد كلام لا يستند لحقيقة، ولا توجد مؤشرات يستطيع أحد الاستقراء منها يقرب مصر من الدخول فى دوامة الافلاس. الاقتصاد ليس هشا على هذا النحو الذى يتحدث عنه البعض، لكن هذا لا يعنى الضغط عليه بمطالب فئوية لا سند لها من الحقيقة، فقد يعود ذلك الاسراع فى معدلات النمو وأتوقع خلال ستة أشهر معاودة الاقتصاد استرداد عافيته كيف يتحقق للاقتصاد النمو فى ظل ضعف حجم الاستثمارات؟ صنع الله لمصر وضعا اقتصاديا فريدا لو أحسن استغلاله وتوظيفه على نحو مستقيم كثير من الأشياء يكتب لها التغيير.. الاستثمار قادم لا جدال فى ذلك.. لكن العقبة التى لا تعجل بمقدمه.. قضية الأمن.. غياب المناخ الذى يوفر مظلة حماية لرأس المال يدفع بأصحابه نحو عدم الإسراع بإقامة المشروعات. تحقيق الأمن فى تصورى لابد ان يكون الشغل الشاغل للحكومة وتضحى من أجله بكل شيء.. حتى يعود الاستقرار ويأمن أصحاب رؤوس الأموال على استثماراتهم، وأعتقد ان الحكومة قطعت شوطا فى هذا الصدد.. لكن ما قطعته لا يلبى سقف الأمان الذى يحتاجه أى مستثمر وطالما بقى الوضع على ما هو عليه يجب الا نتوقع سرعة تدفق رؤوس الأموال.