ما أن يذكر لفظ الإسلام, أو أحد عناصره, أو الألفاظ الدالة عليه حتي يصاب القوم بحساسية شديدة.. القوم الذين أعنيهم هم الأقليات النخبوية والطائفية التي آلت علي نفسها الانسياق وراء عواطفها الحادة الرافضة للإسلام شكلا ومضمونا, فلا تقبل له وجودا في الحياة العامة ولا الحياة الخاصة.. وخطاب هؤلاء القوم يتطابق غالبا مع الخطاب الأستعماري الرائج في الغرب وامريكا والكيان الصهيوني حول الإسلام; بوصفه خطرا يجب التصدي له ولمحتواه المقاوم للغزاة, الساعي للاستقلال والحرية.. مطابقة خطاب الأقلية النخبوي الطائفي للخطاب الأستعماري أمر طبيعي, ويكمن في معيار الرؤية للإسلام ومفاهيمه وتشريعاته, وهو معيار غير عادل وغير منصف بكل تأكيد, مع الأخذ في الحسبان النظرة الأوربية التاريخية للكنيسة بوصفها عائقا يحول دون الحرية, ويحارب العلم, ويفرض الجهامة علي الحياة. ولعل هذا هو السر من وراء ذلك الجدل الصاخب حول علمية الأنقلاب علي الأستفتاء الذي جري في91 من مارس الماضي, ومحاولة الألتفاف عليه, وتأخير عملية انتقال السلطة من القوات المسلحة إلي الشعب. الحملة الضارية التي تشنها معظم الصحف والقنوات الفضائية العامة والخاصة, ضد الحركة الإسلامية, والتشكيك في صلاحية الإسلام بوصفه منهج حياة, والسخرية ممن يتمسكون بالإسلام هوية واستقلالا, واصطياد بعض الوقائع الفردية أو المكذوبة أو التي لم ثبت صحتها للتشهير بالإسلاميين, مواقف ليست بريئة من محاولة حرمان مصر من الديمقراطية والحرية والأمل. أزهري درعمي قال في محاضرة عامة إن السياسي الذي يبدأ خطابه بالبسملة نصاب! أي إن كل الإسلاميين نصابون بحكم أنهم يبدأون كلامهم عادة بالبسملة والصلاة والتسليم علي رسول الله وآله وأصحابه! أحد الوجوه اليسارية المقررة علينا منذ زمان بعيد في تليفزيون النظام, تمطع, وأخبرنا أن السلفيين يحرمون جلوس المرأة علي الكنبة! ثم اخبرنا آخر ان حلاقا صاحب صالون بإمبابة( دائما إمبابة؟!) يشترط علي الزبائن عدم قص اللحية ويكتفي بحف الشارب, وفي شارع فيصل يكتب سائق ميكروباص أن الركوب ممنوع للمحزقة والعيال.. مسموح فقط للرجال( ؟!) ويأبي القوم إلا أن يردوا علي من انتقد دخولهم الحظيرة الثقافية مساندة للاستبداد والحكم الفاشي, فوصفوا الموافقة علي وثيقة شيخ الأزهر بأنها دخول الحظيرة الدينية, مع أن الأخيرة ليس فيها مغانم أو منافع مثل الحظيرة الثقافية, بل إنها تكلف أصحابها غاليا وراء الأسوار! ولم يتوقف الأمر عند وصف الأزهر بالحظيرة الدينية, ولكنه امتد ليري في وثيقة الأزهر; مشروع وثاق لا وثيقة من شأنه تكبيل مشروع الدولة الحديثة في مصر, وإخضاعه لرؤي ملتبسة يمكن أن تحوله من حيث لا يدري المثقفون الموقعون علي الوثيقة إلي مشروع دولة دينية سلفية تتمتع بكل ما يريده أنصار الدولة الدينية من مواصفات! ولم يكتف أصحابنا بهذه الرؤية بل إنهم وسعوها ليروها انحرافا عن دور الأزهر المعرفي والديني إلي دور سياسي دستوري, وإرهاصة دولة دينية تنهي تماما استقلالية الدولة عن المؤسسة الدينية. ثم تعلن هذه الرؤية أنها تبقي عاجزة عن تصور أن المدرسة الليبرالية المصرية( ؟!) قد وافقت علي أن يكون الأزهر هو المنارة الهادية التي يستضاء بها, ويحتكم اليها في تحديد علاقة الدولة بالدين وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة التي ينبغي انتهاجها؟!! وتطرح تساؤلا: ماهو الفرق بين هذا الذي تم الاتفاق عليه وبين مشروع السلفية الإخوانية الذي كان قد عبر عنه المرشد السابق لجماعة الإخوان؟ وكيف يمكن فهم البند الأخير في الوثيقة الذي ينص علي اعتبار الأزهر الشريف الجهة المختصة التي يرجع اليها في شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهادات الفكر الإسلامي مع عدم مصادرة حق الجميع في إبداء الرأي متي توافرت له الشروط العلمية اللازمة, وبشرط الالتزام بآداب الحوار, واحترام توافق عليه علماء الأمة؟ وأظن والله أعلم أن فكرة تجريد مصر من إسلامها, والإصرار علي ما يسمي الدولة المدنية ليست ضد البوليسية أو العسكرية بل ضد الإسلام والإلحاح علي فصل الدين عن الدولة, ليست فكرة محلية بقدر ما هي رغبة أجنبية استعمارية محمومة تسعي لالتهام مصر, وتقييدها بوثاق من التبعية والإذلال, عبرت عنه عمليات الإنفاق الهائلة علي ما يسمي منظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث, وتدريب الناشطين السياسيين في الغرب وأمريكا. ولا أظن أن الشعب المصري مع كل ما يوجه اليه من قصف عنيف عبر الصحف والفضائيات المعادية للإسلام, والمتخوفة منه, سيستجيب للقوم وإلحاحهم غير الغريب, فالدين طبيعة راسخة في أفئدة المصريين وقلوبهم مسلمين وغير مسلمين... لماذا يا قوم تريدون فرض حظر التجول علي الإسلام؟ المزيد من مقالات د.حلمى محمد القاعود