في 30 سبتمبر 2010 م أي قبل سقوط النظام الفاسد البائد بأربعة أشهر تقريبا-وقف أحد عشر كوكبا من رموز حظيرة الثقافة, بين يدي رئيس النظام المخلوع, وقدموا قرابين الولاء والطاعة, وانحنوا جميعا في مشهد من المشاهد التاريخية المثيرة, ابتهاجا بالاستعداد لمرحلة رئاسية جديدة, أو توريث الابن الذي كان يستعد لملء الفراغ بعد استراحة أبيه! الأحد عشر كوكبا, من مثقفي الحظيرة, كان أضعافهم في خارج المشهد التاريخي يتمنون أن يكونوا داخل الصورة, وقيل إن بعضهم كان مريضا, وبعضهم الآخر وصلته الدعوة متأخرة, وبعضهم الأخير لم يتمكن من الحضور لسبب ما, ولكن أغلبية ساحقة كانت تنتظر الدعوة, والمثول بين يدي فخامة الرئيس الذي يمنح ويمنع! المفارقة أن الأحد عشر كوكبا ما زالوا يحتكرون الساحة الثقافية, يقولون ويكتبون, وينظرون ويقعدون, ويخططون للمستقبل والثورة والشعب المصري, وفي الوقت ذاته يقودون الحظيرة, وأعضاءها إلي منعطف خطير يفرغ الثورة من أهم أهدافها وهو حرية الشعب المصري, ومشاركته في حكم نفسه بمفهوم الاختيار الشعبي, وتبادل السلطة بالمفهوم الديمقراطي, والمحافظة علي هوية الأمة واستقلالها, والتعامل مع الآخرين من منطلق الندية والمساواة والاعتزاز بالنفس.. الأحد عشر كوكبا وأشباههم ما زالوا يملئون الساحة ضجيجا, ولكن بمنطق النظام البائد: يرفعون الفزاعة الإسلامية, ويطلبون إرجاء تسليم الحكم إلي المدنيين, وتأخير الانتخابات النيابية, ويتكلمون عن مبادئ فوق الدستور, أو مبادئ حاكمة للدستور لتجريد مصر من إسلامها وهويتها, ويقودون الأقليات النخبوية والطائفية في حملات التشهير بالإسلام, واستباحة القوات المسلحة ووضع التحرير في مواجهة المشير, وتأييد التصرفات الرعناء في تعطيل مصالح الجمهور, والتهديد بإغلاق قناة السويس, ووقف خطوط المترو, وتشكيل لجان الانتقام من قتلة الثوار, والسؤال هو: هل يمكن أن يكون ثائرا من كان ينحني أمام إلهه الذي سقط؟ وهل يمكن أن يكون ممثل الأقلية النخبوية والطائفية صاحب القول الفصل في الحكم علي الأغلبية الساحقة ؟ وهل يتيح استيطان الصحافة والقنوات الفضائية والإذاعات والندوات واللقاءات والمخططات التي يحركها رجال المال الحرام أن تفرض هذه الأقلية إرادتها مهما غلت وظلمت ؟ لقد كانت التجارب الديمقراطية الناجحة في البلاد العربية محط هجوم سافر من هؤلاء الذين يتغنون بالديمقراطية ودعمها كلاما ودعاية فقط, وقد رأينا تجارب ديمقراطية حقيقية تتعرض علي أيديهم للتخريب والعدوان, في لبنان, يتعرض اللبنانيون علي مدار الساعة لإذكاء روح الطائفية, وتحريض الطوائف ضد بعضها, وتحويل الديمقراطية إلي لعنة بدلا من أن تكون نعمة. وفي الجزائر بعد أن فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية بأغلبية المقاعد حركوا حزب فرنسا بقيادة الجيش لذبح الجزائريين, وإلغاء الديمقراطية جهارا نهارا, وفقد الشعب الجزائري قرابة ربع مليون قتيل, وأكثر من مليون جريح ومفقود, ومازال الجزائريون حتي اليوم يدفعون ثمن اختيارهم الديمقراطي للإسلاميين; قلقا سياسيا واضطرابا اجتماعيا وخللا اقتصاديا. وفي فلسطين (الضفة والقطاع) دفع الفلسطينيون ومازالوا ثمنا غاليا لاختيارهم الديمقراطي وانتخاب منظمة حماس الإسلامية, لدرجة شن الحرب علي قطاع غزة وتدميره ومحاصرته حتي اليوم ومنع المصالحة الفلسطينية. قوي الشر التي تتكون من الولاياتالمتحدة والغرب الاستعماري والكيان الصهيوني الغاصب والحكام العرب الطغاة لا تسمح بالحرية, ولا تقبل بالديمقراطية, ولذا يسعون عن طريق الأقلية النخبوية والطائفية إلي تخريب الثورة المصرية, وحرمان الشعب من الحرية, وإطالة أمد الفوضي. سألني بعض الناس: هل يمكن إعادة إنتاج أحداث المنشية عام 1954م التي أطاحت بالدستور والأحزاب والتجمعات السياسية والأهلية, واستباحت الحريات ورسخت للديكتاتورية والطغيان, وسمحت بامتهان فقهاء القانون وتعليق الأبرياء علي المشانق, وتغييب الآلاف وراء السجون ؟ قلت لمن سألني: كل شيء جائز وممكن ومحتمل, ولكن الفارق اليوم أن الجيش المصري الآن جيش محترم ومحترف يعرف واجبه جيدا, ويعلم أن مهمته حماية الوطن وليس الجلوس علي عرش البلاد كما فعل من هزموا البلاد وأذلوا العباد بعد عام 1952 م, ولذا لم يستجب لنداء الطاغية بفض الثورة, وأعلن أنه لن يطلق رصاصة ضد المواطنين, ولن يقف ضد رغبتهم في الإعلان عن آرائهم ورغباتهم. إن تحركات الأقليات النخبوية والطائفية لفرض إرادتها علي الشعب كله, ستنتهي في يوم ما, مهما رفعت من شعارات مضلله, وأفكار خبيثة, ومطالب حق يراد بها باطل, ومهما تسلحت بقنوات فضائية يملكها الفساد الذي لم يحاسب بعد ويخشي الحساب والقانون والعدالة.. إن الديمقراطية ستعصف بالأحزاب الكرتونية التي صنعت علي عين جهاز السافاك (أمن الدولة) وتحت رعايته, وستبقي علي الأحزاب الحقيقية التي لها قواعد شعبية حقيقية تؤمن بالمبادئ والقيم التي قامت عليها, وليس تلك الأحزاب التي يتصارع قادتها علي المناصب والولاء للأجهزة الخفية والأجندات الغامضة.. ولن نجد أحزابا تكون مهمتها محاربة الهوية الوطنية القومية, والعمل علي تجريد مصر من إسلامها وقيمها وتراثها, لحساب من يعملون علي تمزيق الوطن, وتفتيته, و تسليمه للفوضي في أفضل الأحوال. مصر التي عانت طويلا ستحزم أمرها بإذن الله وتواجه الفوضي والأنانية والدعم الأمريكي المزيف للديمقراطية, وستصنع ديمقراطيتها وحريتها ونظامها العادل الذي يبسط جناحه علي الأغلبية والأقلية جميعا.