(إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم). إن هذه الآية من سورة الرعد أحسب أنها خير عنوان لثورة يناير. لقد تجرع الشعب المصري صنوف الذل والهوان, ليس فقط علي مدي الأعوام الثلاثين الماضية ولكن منذ سنوات طويلة قبلها, كان يتكرر فيها بزوغ أمل مصر الحديثة في مستقبل أفضل, ما يلبث أن يتحطم علي صخور الطريق إلي جهنم الذي كثيرا ما كان مفروشا بالنوايا الحسنة. وعندما انتفض الشعب طالبا التغيير, كانت معه رعاية المولي التي أوصلتنا إلي اللحظة الراهنة. نحن الآن إذاء ميلاد لدولة جديدة حري بنا أن نحرص علي أن تنمو وتزدهر علي نحو لا تفريط فيه في هذه الفرصة التي لا يجود بها التاريخ كثيرا, إن الدولة المصرية سيئة الحظ في حكامها, فهناك دول أخري حباها الله بحكام ذوي حكمة وبصيرة وضعوها علي طريق التقدم, بدون أن ينتفض لذلك الشعب أو يثور, أما مصر فقد أراد الله لها أن تخط تاريخها بيد شعبها, ولأن يد الشعب كانت خاملة فقد تعاقب عليها علي مدار التاريخ غالبية من الحكام الذين إفتقدوا جدارة الحكم. أمامنا في هذه اللحظة الفارقة الفرصة أن نحسن إختيار من يحكمنا, وأن يكون في أيدينا أن نسارع بالخلاص منه إذا إنكشفت الأماني التي صحبت الإختيار عن سوء تقدير منا, أو سوء اداء ممن لا يستحقنا. إن مصر تمضي الآن في طريق تأسيس الجمهورية الأولي وليس الرابعة أو الخامسة كما يحلو للبعض أن يصف, ذلك أن ما سبق لم يكن يمت للجمهوريات بخلاف المسمي بأي بصلة, وتستحق منا هذه الجمهورية الأولي أن نحتفي بها بالرمز الذي ورثته بجانب الجوهر الذي يجري إعداده, وأري الرمز هنا في صورة علم جديد, وسلام وطني جديد, وعيد وطني جديد. إن جمهوريتنا الأولي تستحق أن نحتفل بها في يوم مولدها, وأن يرمز لها بعلم تتفرد به, ولا يحتاج إلي التمعن في وسطه للتفريق بينه وبين أعلام دول أخري, كما تستحق سلاما وطنيا يسمو بكلماته ويشحذ الهمم كما يثير الشجن. ربما يحسب البعض أن هذه من ثانويات الأمور, وأن الجهد يحسن أن يقتصر علي إرساء الدعائم الجديدة للدولة, ولكني أري أن نسير في توازي الجوهر والرمز, وكما اراد ثوار التحرير أن تصحب البداية الجديدة حكومة جديدة, فكذلك تستحق جمهوريتنا الأولي حلة رمزية جديدة تعلن عن ميلاد مصر المستقبل, ولا بأس هنا من إستحضار بعض من التراث ليصحبنا في طريق الغد, وتدشينا للنقاش حول رموز الدولة القادمة. اقترح هنا 25 يناير عيدا وطنيا جديدا, والعودة إلي علمنا الأخضر, وإلي (اسلمي يامصر), كعلم ونشيد. جدير بجمهوريتنا الأولي أن نرسي قواعدها علي مهل, حتي يرسخ الأساس ويتحمل شموخ البناء المنتظر. لقد كنت ممن يفضلون أن نضع دستورا جديدا كاملا في فسحة مناسبة من الوقت, ومن ثم تصاغ بقية القوانين المكملة, وأن تجري الانتخابات علي أرضية قد تطهرت من ركام الزيف. أما وقد اتخذ القرار بشأن التعديلات المحدودة فأملي أن نسير من بعدها بخطوات أكثر تؤدة, بحيث نسمح للأحزاب الجديدة أن تنشأ ويرسخ وجودها في الشارع, وأن تأتي القوانين المكملة للدستور بما يسمح بإقامة حياة ديمقراطية سليمة. إنني أري الوزارة ربما أفضل وزارة في تاريخ مصر الحديث, لأنها أتت بصورة خالصة وفق معياري الكفاءة والموضوعية, وهو أمر لا أجد له نظيرا فيما سبق, وأري أن أهم ما يمكن أن تقوم به هذه الوزارة هو إزاحة فساد الأعوام الثلاثين الماضية, وتطهير القوانين واللوائح مما شابها من اعوجاج, وإعداد الجديد منها مما نحتاجه لدولة عصرية, وبما يمكن مصر من اللحاق بركب التقدم, وفي ذلك فلنتمهل قليلا ونعطي لها الفرصة كاملة.