فى مسعى إلى إنهاء الانقسام السياسى الحاد حول مسألتى "الدستور أولا" و"الانتخابات أولا" أطلق مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط مبادرة أمام مختلف القوى الوطنية كى تنهى هذا الانقسام وتفتح حوارً - على وصف المركز - جاداً وبناء حول سبل استكمال مكتسبات ثورة يناير. المبادرة استندت الى شعار "الثورة أولا" على نتائج مشاهدات ومتابعات واستطلاعات ميدانية أولية أجراها المركز تظهر أن قطاعات عريضة من الشعب المصرى قد أصابتها خيبة أمل نتيجة انقسام القوى السياسية حول "خريطة طريق" المرحلة المقبلة، مع إهمال واضح لمطالب الجماهير الغفيرة التى صنعت الثورة. وقامت البادرة على مبادئ عدة أكدت خلالها على ان الموجة الأولى من الثورة نجحت لأن جميع القوى السياسية المناهضة للنظام البائد كانت تحتشد تحت راية واحدة، تحول فيها الخلاف إلى تنوع خلاق، وتوافق معها الكل على شعار واحد هو "الشعب يريد إسقاط النظام"، و ان نجاح الموجات المتلاحقة من الثورة ستبقى رهناً باستعادة روح التوحد، لأن الانقسام السياسى البغيض هو خنجر مسموم يطعن الثورة بالفعل. وأشارت المبادئ أيضاً الى ان الثورة لن تكتمل إلا إذا حققت "تغييرا جذريا" فى المجتمع المصري، وهو لن يتم بغير الانتصار للعدالة الاجتماعية عبر اتخاذ اقرارات واجراءات كفيلة بإنهاء التفاوت الطبقى والاستجابة لاحتياجات الفقراء. فالبلاد فى حاجة ماسة بالفعل كما ترى المبادرة إلى تضافر كل الجهود فى سبيل التغلب على التركة الثقيلة التى تركها النظام البائد. ومن الخطأ أن تتكالب بعض القوى السياسية على مقاعد البرلمان أو كراسى الحكم دون أن تتنافس عن تقديم اقتراحات وتصورات وبرامج عمل ناجحة لحل المشكلات الحياتية القاسية للمصريين، لاسيما الغياب النسبى للأمن وازدياد هامش الفقر وتدنى مستوى الخدمات التى تقدم للشعب وان مدنية الحكم وقيام دولة القانون واحترام المواطنة وتعزيز الوحدة الوطنية وضمان تداول السلطة واستقلال القضاء ماليا وإداريا وحرية تشكيل الأحزاب السياسية وإيجاد البيئة الاجتماعية الصحية التى تتيح تنافسا طبيعيا بين القوى السياسية وصيانة حرية التعبير هى مسائل لا تراجع عنها. فالوقت قد حان لتنهمك القوى الاجتماعية كافة فى بناء المؤسسات الوسيطة مثل النقابات المهنية والعمالية واتحادات الفلاحين وهيئات المجتمع الأهلى والمدنى فهذه الأبنية الاجتماعية هى التى تصون النظام الديمقراطى العادل. هذه الرؤية التى تقدمها المبادرة أهم ما يميزها غير عقلانيتها والتعامل مع الواقع بمفرداته تعبر عن مفهوم غاب عن الكثيرين من إن الثورة السياسية لن تكون هى نهاية المطاف إنما يجب أن تكون بداية لثورة أخرى أصبح المواطن المصرى فى أشد الاحتياج اليها وهى ثورة فكرية وعلمية وأخلاقية حتى تستطيع أن تبنى نفسها من جديد بدلاً من حالة "الثورة" أو "اللاثورة" التى تعيشها قوتين متناحرتين ربما يضيعا سوياً !!. المزيد من مقالات حسين الزناتى