كثرت في الفترة الأخيرة الإشارة لكل محاولة لعرقلة الثورة وأهدافها علي أنها علامة علي الثورة المضادة, لكن أحدا لم يلتفت حتي الآن لمحاولة أخري تجري الآن علي قدم وساق لاختطاف الثورة من أجل تحويل الدولة المدنية التي طالبت بها ورفعت شعاراتها في ميدان التحرير إلي دولة دينية يسيطر عليها أتباع الإسلام السياسي بمختلف فصائلهم من الإخوان إلي السلفيين. إن الشعارات التي ارتفعت في ميدان التحرير منذ اليوم الأول للثورة كانت واضحة في مطالبتها بالحرية والديمقراطية, والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية, كما كانت محددة في أنها تتطلع الي دولة لا تكون عسكرية ولا دينية وانما مدنية, فالدولة المدنية وحدها هي التي تجسد تلك المباديء وتحميها, فلا الدولة العسكرية البوليسية التي عرفناها جسدت الكرامة الإنسانية, ولا الدولة الدينية التي نراها من حولنا في دول مجاورة جسدت الحرية والديمقراطية. إن من خرجوا الي الثورة يوم 25 يناير الماضي لم ينادوا بالدولة الدينية, وحين وصف ملالي النظام الشيعي في إيران ثورة يناير بأنها ثورة إسلامية, كانوا مثار سخرية العالم أجمع, فالشباب الذين فجروا الثورة يوم 25 يناير والذين أيدتهم بقية فئات الشعب كانوا شبابا واعيا ناضجا مستنيرا حقق ما لم يستطع الإخوان تحقيقه علي امتداد تاريخهم, بداية من عام 1982 وحتي الآن, ولا حققه من خرجوا من عباءتهم من الجهاديين والسلفيين وجماعات التكفير والهجرة, ولم يكن من قبيل الصدفة أن جماعة الإخوان المسلمين امتنعت عن الخروج, بجميع فصائلها للمشاركة في الثورة يوم 25 يناير. إن تاريخ الجماعات الدينية مليء بالاغتيالات السياسية والتي كانت وسيلتهم الأولي في الكفاح الوطني, من النقراشي باشا وبطرس غالي باشا الي فرج فودة ونجيب محفوظ, لكننا لم نسمع أبدا أنهم نادوا بالديمقراطية ولا بالحرية, من هنا فقد كان طبيعيا ألا يخرجوا مع الشباب الواعي المستنير يوم52 يناير الماضي الذين خرجوا يقولون سلمية ويطالبون بالديمقراطية وبالدولة المدنية, فلا شباب الثورة كانوا من أتباع الإخوان ولا شعاراتهم جاءت من تعاليمهم. وبعد أن انضم الشعب كله الي الثورة, سواء بالمشاركة أو بالمباركة, رأي الإخوان أن ينضموا هم أيضا الي تلك الحركة الوطنية الكبري, فقبلهم الشباب بصدر رحب غير واعين لأنهم يضمرون ما لا يظهرون, وسرعان ما بدأ أصحاب ذلك الاتجاه في الظهور بشكل سافر علي الساحة السياسية بهدوء وخطوة خطوة. ولاشك أن الظهور المفاجيء والمنظم لمختلف جماعات الإسلام السياسي والتي ظلت لسنوات محظورة, أثار حفيظة الكثيرين ممن وجدوا آمالهم الوطنية قد تحققت في الأهداف التي نادت بها الثورة وفي مقدمتها المطالبة بإقامة الدولة المدنية, ثم بعد أن انفتح الباب علي مصراعيه أمام أتباع الإسلام السياسي, رأينا من حرضوا أمام كاميرات التليفزيون علي حرق الكنائس, ومن قاموا بإلقاء ماء النار علي من لا يؤدون الصلاة, ومن قطعوا الأذان وفقأوا العيون, وتلك كلها أفعال إجرامية تناقض تماما ما قامت من أجله الثورة التي حرص أبناؤها علي السلمية وعلي الوحدة الوطنية, فوقف المسلمون يحمون المسيحيين وهم يؤدون قداسهم في ميدان التحرير, كما وقف المسيحيون يحمون المسلمين وهم يؤدون صلاتهم. ويبدو أن مخطط جماعات الإسلام السياسي كان يقضي بأن يطمئنوا المواطنين بالتأكيد, أنهم لا يسعون للسلطة فخرجت بعض الأصوات من داخل الإخوان تقول إنها ستظل جماعة تقوم علي الدعوة ولن تتحول الي حزب يعمل بالسياسة, لكننا شهدنا بعد ذلك قيام أكثر من حزب ذي مرجعية اخوانية, وإن أعلنت الجماعة تنصلها منها, وخرجت أصوات أخري تقول إنهم لن يترشحوا إلا علي 20% فقط من مقاعد مجلس الشعب القادم, لكن هذه النسبة ارتفعت بعد ذلك وبالتدريج الي 35% ثم 50%, ثم خرج علينا من يقول: ولماذا لا نترشح علي جميع مقاعد المجلس؟ مؤكدا أنهم لن يخوضوا انتخابات الرئاسة, وكما حدث مع بقية المواقع حدث مع موقع الرئاسة, فخرج علينا حتي الآن ثلاثة مرشحين للرئاسة وليس مرشحا واحدا, جميعهم من أتباع الإسلام السياسي. وهكذا نجد أنفسنا الآن ولم تمر خمسة أشهر علي الثورة أمام موقف غريب حقا, حيث من لم يقوموا بالثورة يسعون لاختطافها عن طريق الانقضاض علي جميع مواقع النظام الجديد الذي نادت به الثورة, ابتداء من مقاعد مجلس الشعب الي مقعد رئاسة الجمهورية, وحيث من لم يشاركوا في المطالبة بالنظام الجديد يسعون جاهدين لإقامة نظام آخر علي هواهم. ألا يعد هذا اختطافا للثورة أخطر بكثير من أي شيء آخر يتهدد مسيرتها أو يؤخر تحقيق أهدافها؟ إن السعي للسيطرة علي جميع المواقع السياسية في البلاد لاشك يثير الريبة ويشير الي وجود أهداف خفية لجماعة ظلت تؤكد ليل نهار أنها لا تسعي الي السلطة, فهل كانت تلك التأكيدات مجرد ستار من الدخان تمرر من خلفه مخططها الخفي لاختطاف الثورة والانقلاب علي أهدافها؟ إننا الآن أمام كتلة منظمة ستمنح أصواتها في الوقت المناسب لمرشحها المختار, وفي المقابل نجد كتلة أكبر غير منظمة ستتوزع أصواتها علي بقية المتنافسين, والحاصل هو أن تلك الكتلة الثانية الموزعة بين مختلف المرشحين هي التي تنادي بأهداف الثورة وفي مقدمتها الدولة المدنية التي تقوم علي الحرية والديمقراطية, والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية, بينما الكتلة الأولي المنظمة تسعي لتحويل مسار الثورة الي الدولة الدينية. المزيد من مقالات محمد سلماوي