بلطجة.. وخطف سيارات.. وتهريب عبر الحدود.. وانتشار السلاح.. وفراغ أمني.. هذا هو الوضع في شمال سيناء.. الخوف يسيطر علي الجميع.. قلق وترقب وأوضاع تنذر بالانفجار. وصراعات قبلية توشك أن تتحول إلي معارك وحروب تنتظر من ينزع فتيل الأزمة قبل نشر الفوضي, وعلي مدي الأيام السابقة شهدت المحافظة اختطاف أكثر من500 سيارة بين القبائل بعضها بعضا, وبتدخل من مشايخ سيناء عادت بعض السيارات, ومازال البعض الآخر لحين عقد جلسات عرفية, وقد أثرت الحالة الأمنية السيئة علي مختلف المزارعين بشمال سيناء, خاصة محصول الزيتون, فهناك أكثر من عشرة آلاف مزارع مهددين بضياع ثروتهم بالكامل لتخوف التجار من شراء المحصول والحضور إلي العريش. أسباب عدم عودة الأمن بكامل طاقته وانتشار السلاح يرجعها بعض المسئولين الأمنيين بالمحافظة لطبيعة المحافظة الخاصة التي تجاوز فلسطين وإسرائيل, وهي من المناطق التي تشهد صراعات مستمرة, ويضيف إليها رجال الأمن بعدا آخر, وهو الطبيعة الجغرافية للمحافظة التي تسهل هروب الجناة داخل الجبال. الأهرام ترصد مختلف الظواهر الأمنية ومسبباتها بشمال سيناء: في البداية يوضح اللواء شريف إسماعيل مستشار الأمن بالمحافظة أن هناك قضية مهمة بسيناء يعكف مشايخ سيناء علي إيجاد حلول لها, وهي ظاهرة التوثيق العرفي التي أدت إلي انتشار الفوضي بالمحافظة. وأضاف أن جميع الأجهزة الأمنية بالمحافظة تتخذ حاليا أسلوب ضبط النفس في حل كل الصراعات, وضبط الأسلحة المنتشرة, حيث تم تحديد نهاية شهر يونيو لتسليم الأسلحة غير المرخصة فورا ودون عقوبة, وسيختلف الوضع تماما بعد هذا التاريخ, كما أضاف أن المحافظة شهدت في الفترة السابقة العديد من الحوادث التي ليست لها علاقة بالعرف, ويبذل مشايخ سيناء العقلاء العديد من المجهودات لضمان الاستقرار الأمني, وأن هناك العديد من الأسلحة التي تم ضبطها مع مهربين فلسطينيين وبيعها بالعريش, وتوصلت الأجهزة الأمنية إلي أن المهربين الفلسطينيين يقدمون علي شراء السلاح من إسرائيل لتهديد المجتمع السيناوي ونشر الفوضي وعدم الاستقرار. أما حالة الانفلات الأمني بالمحافظة فيصفها لنا سلامة الرقيعي( أحد كتاب سيناء المعروفين بمنطقة بئر العبد) فيقول: إن ثورة 25يناير المجيدة جاءت لتطهر العديد من السلبيات في العصر البائد, إلا أن هناك من لايزال علي العهد القديم, خاصة بمحافظة شمال سيناء, فأسلوب خطف السيارات تحت تهديد السلاح, أو بما يطلق عليه ظاهرة التوثيق أصبحت تهدد علاقات القبائل, ويوضح الرقيعي أن ظاهرة التوثيق العرفية كانت منتشرة في شمال شبه جزيرة سيناء في الماضي, كنوع من التنظيم لحل النزاعات بين القبائل, وقديما كانت تعني أنه في حال حدوث مشكلة بين اثنين من بدو سيناء يطلب أحدهما من الآخر أن يحدد جلسة عرفية لحل النزاع بينهما, فإذا رفض الطرف الآخر أن يجلس معه لحل النزاع يبادر إلي أخذ الجمل الذي يمتلكه ويوثق قدميه, ومن هنا جاءت تسمية التوثيق. غير أنه تحول خلال السنوات الأخيرة إلي ما يشبه السطو المسلح, إذ ترك كثيرون من أبناء المجتمع في سيناء المغزي العرفي من التوثيق واتجهوا إلي تصفية الخلافات بعضهم مع بعض بطرق أخري لا تمت إلي القانون العام ولا إلي القضاء العرفي بصلة. تحريم التوثيق ومع تفاقم الوضع أصدرت دار الإفتاء المصرية أخيرا فتوي بخصوص تحريم التوثيق, واعتبرت أن هذه الأساليب في طلب الحقوق أو الحصول عليها محرمة شرعا, وأضافت دار الإفتاء في ردها: نهيب بأهل سيناء أن يأخذوا علي أيدي من يفعل ذلك, وأن يردعوهم عن غيهم, وأن يقفوا صفا واحدا ضد من تسول له نفسه ترويع الآمنين, أو أخذ الناس بجريرة أقاربهم أو معارفهم, أو التعدي في المطالبة بالحق أو تحصيله واستيفائه, وعلي الجميع أن يلتزموا بالأحكام الشرعية, والقواعد العامة التي تنظم أخذ الحق والمطالبة به, حتي لا تنقلب الأمور إلي فوضي عارمة يصبح الخصم فيها حكما, وحتي لا تتحول مجتمعاتنا إلي غابة تضيع فيها الحقوق والمبادئ والقيم. الفتوي استقبلها مشايخ القبائل في سيناء بالإعلان عن رفضهم لتنامي ظاهرة العنف واستخدام السلاح في النزاعات بين الأفراد, وطالب القاضي العرفي يحيي الغول بضرورة دعم دور شيخ القبيلة وتقويته لكي يتمكن من فرض السيطرة علي أبناء القبيلة, وأن يطبق القانون المدني علي الجميع, خاصة أن القضاء العرفي قد يحتمل الصواب والخطأ طبقا لوجهات النظر, وأن ظاهرة التوثيق انحرفت في تطبيقها, مما أدي إلي تزايد عدد المشكلات الناتجة عنها. وأشار إلي أن هناك انفلاتا في النظام القبلي نتج عنه انتشار السلاح والانفلات الأمني, وما عاد شيخ القبيلة قادرا علي السيطرة علي جميع أفراد القبيلة. العنف وغياب الدولة في هذا السياق قال الدكتور حسام رفاعي عضو المجلس المحلي لمحافظة شمال سيناء: إن العرف كان آلية توصل إليها أبناء سيناء في ظل غياب الدولة من قبل, لكن التوثيق أصبح الآن جريمة لا تتفق مع مفاهيم العرف, أو القانون والشريعة, وهو ظاهرة سائدة بين متحصنين بقوة السلاح, وآخرين من العزل, والجهات المعنية تقف مكتوفة الأيدي ولا تفعل شيئا, وبقية المواطنين حائرون بين الجهتين, سواء كانوا من البدو أو الحضر. وفي النهاية يضع مسئول أمني رفيع المستوي بمحافظة شمال سيناء حقيقة الأوضاع وسبل الحلول, موضحا أننا نعترف بأن انتشار السلاح بات ظاهرة تهدد أمن المحافظة واستقرارها, وأن استمرار ظاهرة التوثيق قد يؤدي إلي ما يهدد علاقات القبائل بعضها بعضا, وطالب بتنقية العرف من هذه الظاهرة, خاصة أنها تتنافي مع الشرع, ومع طبيعة المجتمع السيناوي, مؤكدا أن الملفات الأمنية تؤكد أن حالات خطف السيارات قد تجاوز عدد خطف السيارات بمختلف محافظات مصر, وأن إلقاء المسئولية علي الأمن بسيناء ليس مبررا كافيا, فالقضية تحتاج إلي إعادة النظر في تنمية سيناء لضمان الاستقرار الأمني. ويقول الكاشف محمد الكاشف رئيس جمعية مزارعي سيناء, وأحد منظمي حملة القضاء علي الانفلات الأمني: إن الحالة الأمنية المتردية, واستخدام السلاح, والعرف المسلح سيطيح بالزراعة في سيناء, فمئات الآلاف من الأفدنة المزروعة بالزيتون مهددة لعدم قدوم أي تاجر لشراء المحصول. وأضاف أن من الحلول المقترحة تم عقد عدة لقاءات مع مختلف أقسام العائلات والاتفاق علي تشكيل لجنة حكماء لجمع السلاح, والتغلب علي ظواهر البلطجة من خلال الإبلاغ عن أي بلطجي يهدد أمن المواطنين, مع تأمين جميع سيارات التجارة من تصدير الخوخ والزيتون, حتي يبلغوا مأمنهم, لاستعادة الأمن المفقود في سيناء, وهي البوابة الشرقية لأمن مصر.