د. حامد شعبان الأستاذ بجامعة الفيوم إذا كان الرؤساء أو القادة العظماء أو الأبطال والعلماء الكبار, يكرمون في احتفالات رفيعة الشأن عظيمة القدر, بالنياشين السامية, والأوسمة العالية, والأوشحة الباهرة, والجوائز النفيسة, والمنح والهدايا الغالية وغيرها, تقديرا لجهدهم, وتمجيدا لسعيهم, ورفعا لمنزلتهم فإن رسولنا صلي الله عليه وسلم قد كرم تكريما لا نظير له, حيث لم تشهد السموات والأرض مثل هذا التكريم الذي حظي به من ربه الكريم وده, فأسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي, بقوة الله وقدرته في ليلة واحدة, وذلك أنه ركب الدابة التي أتي له بها جبريل, وهي البراق يشق عناق السماء في رحلة عجيبة, بدأت من المسجد الحرام بمكة إلي المسجد الأقصي بالقدس, ثم كان المعراج عقب هذه الرحلة, ليرتفع في طباق السموات حتي الوصول إلي مستوي تنقطع عنده علوم الخلائق, ولا يعرف كنهة أحد, فقد صعد الي السماء السابعة وإلي سدرة المنتهي, وعاد بعد رؤية آيات الله, وتكريمه له إلي المسجد الحرام بمكة, والمجال لا يتسع لذكر مظاهر الاحتفال بالرسول صلي الله عليه وسلم, ولكننا نختار أمرا يعد من أكرم الأمور وأسماها في المعراج. ففي المرحلة الأخيرة للمعراج التي لم يقدر عليها جبريل ولا أحد من الملائكة, وانفرد الرسول صلي الله عليه وسلم بها منحة ربه أعظم هدية وهي فرض الصلاة, خمس صلوات كل يوم, وما أعظم هذه الهدية الطاهرة الخالدة, صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء!!, تملأ الحياة إشراقا بما فيها من الفضائل والآداب الشامخة, وتحمل إلي المسلمين مدارج الكمال المنشود, وتعطيهم روافد التطهر الذي يصون الحياة ويعلي شأنها, فهي الصلة بين السماء والأرض, تربط العبد بربه, وهي دعوة الفلاح والرشاد, ومنهج البناء السليم الصحيح الذي يتضمن كل معاني الصحة والسلامة والعفة والإخلاص, وينهي عن الفحشاء والمنكر, ويجمع أحكام الدين كله, ويقرر أنها إن صلحت صلح الدين كله, وادان الكون بذكر الله. سئل المصطفي صلي الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلي الله؟ قال الصلاة علي وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله... ويؤكد رسولنا الكريم أن الصلوات الخمس كفارة; فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقولون ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا.إن هدية الإسراء والمعراج دعوة إلي الفلاح, وحث علي الأعتصام في شتي الأوقات بتربية سامية تزكي الخلق, وتبث الأمن والخيرة والظهر, وتحرص كل الحرص علي الإبعاد عن الرذائل, والتطهير من سوء القول وسوء العمل, إنها جرعة مخلصة من فيض الإيمان, ونفحة مباركة من نور التقوي والعمل الصالح. سلام علي صاحب الإسراء والمعراج, وسلام علي أعظم هدية نالها من ربه, وقدمها خالصة طيبة للمسلمين.