يمر الإتحاد الأوروبي في الوقت الحالي بمنعطف حرج.. يهدد ليس فقط بانهيار العملة الأوروبية الموحدة والتكامل الأوروبي الفريد من نوعه. ولكن أيضا إمكانية أن تمتد آثاره نحو أزمة إقتصادية عالمية جديدة تفوق في حجمها الأزمات التي مر بها الاقتصاد العالمي خلال الأعوام الماضية وبحيث تفوق آثارها أزمة انهيار الاقتصاد العالمي في الثلاثينيات من القرن الماضي. وتواجه اليونان إختيارا صعبا بين قبول إجراءات تقشفية جديدة استمرارا لسلسلة من الاجراءات التي أنهكت شعبها خلال العام الماضي وبين الإعلان عن عدم قيامها بسداد أعباء الديون المستحقة عليها وخروجها من عملة اليورو والعودة إلي عملة الدراخمة اليونانية القديمة. وبغض النظر عن نتيجة التصويت في البرلمان والذي جري في وقت متأخر أمس الثلاثاء حول إعطاء الثقة لرئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو بالمضي في خطة الإصلاحات الأوروبية أو رفض هذه الإجراءات فإن هناك إتفاقا علي أن الخطة المشتركة للاتحاد الأوروبي مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ الاقتصاد اليوناني قد فشلت في تحقيق أهدافها بعد مضي نحو عام من بدء التنفيذ حيث يتوقع أن يبلغ الدين العام لليونان نحو160% من الناتج المحلي بنهاية هذا العام مقابل أقل من150% من الناتج في نهاية العام الماضي. وقد غامر وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الأحد الماضي بلوكسمبورج بتأجيل الموافقة علي صرف الشريحة الأخيرة من القرض الأوروبي البالغة12 مليار يورو من إجمالي قرض مشترك يبلغ110 مليارات يورو تم الاتفاق عليه منذ عام بمشاركة صندوق النقد الدولي وربطه بموافقة اليونان علي تطبيق مجموعة جديدة من الإجراءات التقشفية يقدر حجمها بنحو28 مليون يورو من إجمالي خطة تبلغ تكلفتها نحو50 مليار دولار يتم تنفيذها علي مدي3 سنوات. وتشمل هذه الخطة خفضا في المصروفات وزيادة في الضرائب والتوسع في عملية خصخصة الخدمات العامة وذلك مقابل تقديم قروض جديدة تساعد اليونان علي الخروج من عثرتها وبحيث يتاح للقطاع الخاص المساهمة في تقديم هذ التمويل اختياريا. وتحتاج اليونان بشدة للحصول علي قرض قبل حلول آجال سداد مبلغ من الديون في أول يوليو وأمامها خيار عدم السداد ولكن ستكون تكلفته باهظة علي اقتصاد اليونان وعلي مستوي المعيشة بها وسيؤدي حتما إلي خروجها من نظام العملة الأوروبية الموحدة. ولكن هذا الخيار الأخير ربما يجد ترحيبا كبيرا من قطاع كبير من اليونانيين الذين سئموا من معاملة الاتحاد الأوروبي لهم للخروج من محنتهم التي يعانون منها منذ الأزمة المالية العالمية والتي تفجرت خلال العام الماضي. ويري هذا الفريق أن خطة الإنقاذ تسير في الاتجاه الخاطئ فهي تتضمن معاناة دون وجود ما ينبئ بحل الأزمة قريبا. فالإجراءات التقشفية التي تم فرضها علي اليونان أدت ليس فقط إلي صعوبات أمام المواطنين في توفير حاجاتهم الأساسية ولكن أيضا إلي التأثير علي قدرة الاقتصاد اليوناني علي النمو وتوفير فرص العمل وزيادة الدخول بما يؤدي إلي زيادة موارد الدولة في النهاية وتخفيض العجز في الموازنة والدين العام. وأمام المعارضة الشعبية في اليونان قام رئيس الوزراء اليوناني وزعيم حزب اليسار الحاكم بتغيير الحكومة في الأسبوع الماضي والتي شملت تعيين وزير الداخلية إيفانجيلوس فينيزيلوس كوزير للمالية وهو سياسي يتمتع بشعبية كبيرة أملا في قدرته علي حصد التأييد الشعبي اللازم للموافقة علي الخطة الأوروبية. غير أن هذه الأزمة لا تتعلق باليونان وحدها ويمكن أن تمتد آثارها بعيدا. فهناك دول أخري داخل نظام اليورو مثل أسبانيا والبرتغال وأيرلندا وربما إيطاليا وبلجيكا التي تعاني من وضع مشابه لليونان من حيث ارتفاع ديونها وانخفاض حجم النمو الاقتصادي وعدم قدرتها علي الخروج من هذا الوضع وتحسين وضعها التنافسي في ظل عملة اليورو القوية والسياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي والتي تأتي غالبا في مصلحة الدول الكبري في الإتحاد الأوروبي. ويهدد هذا الوضع بإرتفاع تكلفة تمويل دول الجنوب الأوروبي في الأسواق العالمية وإمكانية خروجها هي الأخري من عملة اليورو وبالتالي حدوث انهيار كامل للعملة الموحدة. كما أن الخطر الأكبر يتعلق بالبنوك الأوروبية الكبري والتي تضم في محفظتها حجما كبيرا من ديون دول الجنوب الأوروبي يقدر بنحو تريليوني يورو وسقوط هذه الدول قد يتسبب في إنهيار المؤسسات المالية الأوروبية وهو ما سينعكس أيضا علي البنوك الأمريكية الكبري والتي يعاني إقتصادها بالإضافة إلي ذلك من صعوبات في استعادة النمو الاقتصادي السريع وخلق فرص عمل جديدة. وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلي إنهيار النظام المالي العالمي بشكل عنيف وأزمة اقتصادية لا يعرف أحد مداها. وعلي الرغم من هذا الخطر الكبير فإن المسئولين السياسيين بدول الاتحاد الأوروبي خاصة في ألمانيا وفرنسا اللتين تقودان الاتحاد الأوروبي لم يتصرفوا بما يفرضه حجم المشاكل والمخاوف العالمية بل شابت تصرفاتهم كثيرا من التردد وتغيير المواقف خاصة في ظل الضغوط الشعبية الداخلية في هذه الدول والتي تري أنها تعمل بكد ولكنها تدفع ثمن أخطاء الدول الصغيرة التي لا تريد أن تعمل أو تقوم بدفع الضرائب. إن السؤال الصعب الذي يدور حاليا هو حول إمكانية استمرار وجود عملة واحدة تضم في عضويتها دولا كبري من الأكثر تقدما وفي نفس الوقت دولا أخري صغيرة تعاني في طريقها للنمو وتحتاج إلي سياسات إقتصادية تختلف بشكل كبير عما يلائم الدول الكبري. وحتي لو تمت الموافقة علي الخطة الأوروبية فإن المشاكل الهيكلية سوف تظل قائمة والحل قد يحتاج إلي توجه وسياسات تختلف عما تقوم به خطط الإنقاذ الحالية.