لست من أنصار مقولة ترددت بأن ثورة25 يناير اختطفت.. وان كنت قد استخدمت تعبيرا قريبا من ذلك, للتنبيه والتحذير, وليس أخذا بهذه المقولة. فالوضع في مصر له خصوصياته, تاريخيا, من ناحية طبيعة وخصائص الشخصية القومية للمصريين, ومن ناحية ثانية للدوافع التي أطلقت ثورة25 يناير, وكانت تراكما مكثفا متواصلا في السنوات العشر الأخيرة علي وجه الخصوص, يصنع اسبابا بلا حصر, يكفي كل سبب منها علي حدة لقيام ثورة, ولأن مصر الآن في وضع انتقالي, لم تكتمل فيه بعد أهداف الثورة, فإن شعلتها لاتزال متقدة ومتوهجة, وأسبابها في تفاعل وليست في سكون. كانت مناسبة استخدامي تعبير الاختطاف, ندوة دعيت للتحدث فيها, والحضور من أصحاب المواقف الصريحة والمعلنة ضد النظام السابق في سنوات حكمه. تحدثت ضمن قضايا تتعلق بالوضع السياسي الراهن عن النظرية التي صاغها علماء السياسة في الغرب باسم نظرية اختطاف الثمرة قبل نضجها. وتعني انه عقب الثورات والتحولات التاريخية الكبري تحدث حالة من فوضي ما بعد الثورة, أو السيولة في الدولة, تدفع طرفين بالذات لمحاولة التسلل والقفز علي الوضع القائم, واختطافه قبل أن تكون الثورة قد استكملت تحقيق أهدافها وفرضت أجندتها, أول الطرفين هو المنتمون للنظام الذي سقط, والذين يتظاهرون بالقطيعة معه, والثاني مجموعات طفيلية محترفة لانتهاز الفرص ليس لها أي دور في قيام الثورة لكنها تتمسح بها, وتجد في جو فوضي ما بعد الثورات فرصتها لاختطاف الثمرة. وبالقطع فإن ظروف مصر تختلف عن تجارب مرت بها دول كثيرة, ومنها رد الفعل العاجل لسقوط الانظمة الشمولية في أوروبا الشرقية عام1989, وهو ما تدراكت سلبياته الانظمة التي تولت الحكم نتيجة انتخابات ديمقراطية حقيقية, وضمانات دستورية تحول دون الاختطاف. إلا أن محاولات اختطاف الثمرة لا تزال تسعي في المشهد السياسي, حيث بقايا الحزب الوطني المنحل, التي تعطي نفسها مسميات جديدة, لا تزال تنشط ويظهر رجالها يؤكدون نيتهم دخول الانتخابات البرلمانية المقبلة. ولم يغب عن الذاكرة بعد, ما كانوا ينفقونه من أموال بلا حساب, ومن تشغيل فرق البلطجية من أصحاب السجلات الاجرامية, الذين ارتبطوا بهم مهنيا في مواسم الانتخابات. كذلك لا تزال هناك مجموعات تطفو علي السطح تطلق أفكارا مناهضة للديمقراطية, والسلامة الاجتماعية, وتشكل تكتلات طامعة هي الاخري في اختطاف الثمرة. هذا المشهد يضع أمام مصر تحديات ستواجهها في الفترة القريبة المقبلة, منها ما هو نتاج سيولة الوضع أو ما يسميه البعض فوضي ما بعد الثورة, ومنها ما هو من العناصر المضادة للثورة, من بقايا النظام السابق, الذين ارتبط تضخم مصالحهم بالنظام السابق, بصورة لا يبررها أي منطق اقتصادي, أو عدالة اجتماعية. إن تحديات الفترة المقبلة كثيرة ومن بينها: 1 الأهمية القصوي لوحدة القوي السياسية التي شاركت فعلا وليس ادعاء في الثورة. وتضم الطليعة التي أطلقت شرارتها في25 يناير, وبعضا من النخبة المشهود لهم, بالمواقف الوطنية الصريحة والمعلنة في مواجهة النظام السابق, وجدوي اندماج هذه القوي معا في تكتل حزبي, أو ائتلاف موسع, بحيث تكتمل أركانه بسرعة وقبل وقت معقول من موعد الانتخابات المقبلة. فإن بقاء هذه المجموعات علي فراق بينها انما يتيح أفضل فرصة لإمكان استفادة حزب منظم وحده من حالة السيولة السياسية, وانفراده بالسلطة, مما يعيدنا الي عهود التنظيم السياسي الواحد, ووريثه الحزب الوطني, حتي ولو امتلأت الساحة بشراذم من عشرات الأحزاب. وهذا أمر يجعل الديمقراطية بلا معني, لأنه لا ديمقراطية بدون أحزاب قوية, تتنافس مع بعضها من موقع الندية. 2 إن النظام الانتخابي يقوم بطبعه علي انتشار مواقع التصويت في مختلف المدن والقري, ووسط جماهير كانت محرومة من الاختيار الحر, وتعرضت لحملات تزييف وعيها بالمعاني والشعارات التي لا صلة لها بالحقيقة. وهذا شيء يضع القوي التي صنعت الثورة في تحد مع نفسها, يفترض منها أن تنظم قوافل تتحرك الي المدن والقري والأحياء الشعبية في القاهرة وغيرها في حملات توعية تزيل أي لبس نتيجة تشويه معاني الكلمات والمصطلحات التي تتردد في العمل السياسي. 3 العمل بمختلف الوسائل والضمانات للمحافظة علي الهوية الثقافية, والخصائص القومية للمصريين, التي لاتزال كامنة في عمق ووجدان المصريين من آلاف السنين حتي الآن, وهي تراكم طبيعي لعوامل شارك فيها التاريخ, والجغرافيا, وتحديات الزمن, والصدمات والانتصارات, وكل ذلك أفرز مميزات للشخصية القومية, اتفق علماء الاجتماع وعلم الانسان داخل مصر وخارجها علي انها تتكون من مظاهر منها: الصبر, والتسامح, والتدين, وطول البال, والروح المرحة, ونبذ العنف وكراهية التطرف. هذه بعض التحديات وليست جميعها, ومنها كذلك انجازات تنمية اقتصادية وبشرية وبناء الدولة الحديثة وغيرها. ان ثورة25 يناير التي اعترف لها العالم, بأنها ثورة فريدة ليست لها سابقة في التاريخ, قد انطلقت مدفوعة بعديد من الاسباب, بعضها من تراكمات سياسات نظام الحاكم السابق, وبعضها من خصائص الشخصية القومية للمصريين, التي لو حاول أي فريق أن يطمس خصائصها الراسخة منذ آلاف السنين فلن يكون مآله سوي اكتساحها له, فمازالت القوة الجارفة للثورة تتفاعل, حتي ولو كانت في مرحلة هدوء ما بعد قوة الدفع الأولي للثورة في25 يناير. المزيد من مقالات عاطف الغمري