عقب نشر الصيغة النهائية لمواد مشروع قانون بناء دور العبادة الذي وافق عليه مجلس الوزراء, طرح البعض تساؤلات عديدة حول إيجابيات وسلبيات المشروع . من الناحية القانونية والدينية والاجتماعية قبل طرحه علي مجلس الشعب المقبل بغرض تصحيح الأوضاع وتحديد صيغة قانونية ودستورية عادلة ونهائية ترضي جميع الأطراف وتحبط أي توتر ديني بين الطوائف وتخمد نيران الفتن التي تندلع من هذا الاتجاه. يقول المستشار أمير رمزي رئيس محكمة أنه بقدر ارتياحه لاصدار هذا القانون بقدر تخوفه وقلقه بعد الاطلاع علي مشروع القانون المطروح للمناقشة فهناك بعض الايجابيات والكثير من السلبيات, كما أن فكرة طرح المشروع هي في حد ذاتها جيدة وخطوة ايجابية لحل مشاكل دور العبادة بطرق مشروعة ومنظمة من خلال وضع قانون يحترم تنظيمها. كما أن ما ورد بمواد القانون من أمور تنظيمية واضحة خاصة بالمساحة والابعاد واحتياج عدد السكان امر ايجابي وكذلك منع اقامتها في العمارات والأراضي الزراعية وشواطئ النيل والترع, أو في المناطق الاثرية, وبالفعل لا يجب ألا تقام دور عبادة سواء كنيسة أو مسجد في زاوية أو أسفل أو أعلي عمارة سكنية أو في أي مكان لا يليق بها وإنما قصر القانون علي وضع وصف محدد لدور العبادة فيما يتعلق بالشكل والمعالم والمكان. وأيضا وضع طريقة واجراءات محددة لامكانية الحصول علي رخصة بناء دور العبادة ولم يتضمن موافقة أمنية وهذا ما كان الجميع يتمناه ولكن هناك العديد من القصور والسلبيات في هذا المشروع أو في بعض مواده التي قد يشوبها عدم التوضيح والدقة والتي تحتاج للتعديل والنظر فيها قبل طرحها علي مجلس الشعب: أولا في النظام السابق كان رئيس الجمهورية يوكل المحافظين في اختصاص إصدار التراخيص بالهدم والبناء والتوسيع والترميم وهذا كان أمرا غير عملي ويشوبه الكثير من الاخطاء والاهواء سواء في بناء مسجد أو كنيسة حتي طالب الجميع بإعادة الاختصاص لرئيس الجمهورية مرة أخري لعدم فاعلية المحافظين تجاه هذا الأمر. وهذا ما نص عليه القانون الجديد فهو بذلك يكرر نفس الخطأ في تفويض المحافظين بمنح التراخيص الخاصة بدور العبادة سواء بالبناء أو الهدم أو الاحلال والتجديد وبذلك أدخلنا وأدمجنا السياسة والامن في الدين والعبادة مرة أخري وأنه كان يجب أن تختص الوحدة المحلية بالمركز أو الحي بإصدار هذا الترخيص وأن نتعامل مع بناء دور العبادة بطريقة بسيطة وعادية ويجب ألا نوليها كل هذا الاهتمام أسوة بإصدار ترخيص لبناء ومستشفي أو جمعية خيرية أو عمارة سكنية أو ادارية. وفي حالة تعنت الوحدة المحلية أو وقوعها في خطأ ما يرفع الأمر إلي المحافظ للبت فيه خلال مدة محددة وفي جميع الاحوال يجب أن يتم البت في استخراج الرخصة خلال مدة محددة بالوحدة المحلية. ثانيا: المادة التي تحدد مساحة ألف متر كحد أدني لبناء دور العبادة أمر شبه مستحيل لانه من المستحيلات ومن الصعب جدا أن يتم العثور علي مثل هذه المساحات بالقري والمدن والعزب والاحياء ويري المستشار أمير أنه يجب أن تقل المساحة ويكتفي مثلا بألا تقل عن200 متر فقط حتي يستطيع الجميع أن يمارسوا شعائر صلواتهم دون قيد من الحكومة عليهم. ثالثا: إن ربط رخصة بناء دور عبادة بعدد الكثافة السكانية يجب أن يتم وفق معايير وضوابط رسمية معلنة للجميع, خاصة أنه لو وجد عددا قليلا من طائفة بعينها بقرية ما فالقانون الجديد سيحرمهم من اقامة الصلاة وحقهم المشروع رغم أنه من حقهم بناء دور عبادة لهم حتي وإن كانوا عددا قليلا لممارسة شعائرهم الدينية. رابعا: نص المادة في المشروع الخاصة بالمعاقبة بالحبس لمدة لاتقل عن سنتين ولاتتجاوز خمس سنوات بغرامة لاتقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز300 ألف جنيه لكل مخالف أقام أو هدم أو رمم دور عبادة هو تجريم مشدد بلا مبرر فالمتهمون بمثل هذه المخالفات هم رجال الدين وستوجد صعوبة في المحاكم والتنفيذ عليهم بالاضافة إلي أن تشديد هذه العقوبة سيشعل فتيل الفتنة مرة أخري خاصة أن نصوص المواد اشترطت أن يتقدم بمستندات استخراج الترخيص رجال الدين. فإذا اصدر القانون بهذا الشكل المنشور سابقا فسيفصل بعدم صدوره حتي لايزداد التوتر الديني واشتعال الفتنة الطائفية. ويري الدكتور طه ابوكريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الاسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية أن أجمل ما في هذا المشروع الجديد هو أنه يربط بين عدد دور العبادة وعدد الكثافة السكانية بحيث يكون هناك تناسب بين العدد المطلوب في منطقة ما وعدد السكان الذين يقيمون في هذه المنطقة لأن هذا من شأنه أن يضع حدا أمام من يريد أن يستكثر حيث لا موجب للكثرة لان هناك من السكان من يكونون أقل من السعة التي تحتويها دار العبادة. كما أن هذا المشروع الجديد لبناء دور العبادة يضع حدا للتنازع والاختلاف حيث لا موجب للتنازع إلا لمجرد إرضاء العاطفة. ومن بين إيجابيات هذا القانون تقدير المسافة بين كل دار عبادة وأخري وقد حددت بألف متر ولكن هذا التحديد ليس أمرا مطلقا تتساوي فيه جميع الأماكن لأن هناك من المناطق ما لا يوجد فيها كثافة سكانية تتطلب عددا كبيرا من هذه الدور وبالتالي فإن هذه المسافة يجب استثناؤها في هذه المناطق في الوقت نفسه لا نستطيع تطبيق هذه المسافة المحددة في المناطق المزدحمة فلابد أن يكون في هذا القانون استثناء للمناطق التي تزيد فيها الكثافة السكانية عن غيرها من المناطق الأخري التي تساوت معها في هذه المسافة بمعني أن المناطق الجديدة مثل التجمع الخامس وغيرها تقل فيها الكثافة السكانية بينما المناطق السكانية القديمة تتضاعف فيها.وعلي المسئولين أي المحافظين أن يحاسبوا علي قيامهم بهذه المسئولية وأن تكون هناك جهات رقابية عليهم في اداء هذه المهام. كما يؤكد الدكتور طه أن العقوبة المشددة مناسبة جدا حتي يكون هناك ردع وحتي لا ننتظر وقوع المخالفة لنستوجب العقوبة ومن وجهة نظر نائب رئيس جامعة الأزهر الاسبق أنه ينبغي أن تظهر دور العبادة سواء المسجد أو الكنيسة بالمظهر اللائق بها حتي تكون علامة بارزة في المكان الذي تقام فيه والتي تعينه علي استيعاب عدد أكبر من المصلين فنرفض تماما بناء دور عبادة في زاوية أو أسفل عمارة سكنية أو في أي مكان غير لائق بها. ويؤكد المستشار سامح كمال نائب رئيس هيئة النيابة الادارية أن هذا المشروع لقانون دور العبادة كان حلما مؤجلا ويتساءل: لماذا طرح في هذه الفترة الحرجة بالذات؟! فالازمة في مصر الآن والمشكلة الحقيقية حاليا ليست في اصدار قانون أو غيره وانما المشكلة في العقول لذلك يري أن هذه الاوقات الصعبة التي يمر بها الوطن ليس له علاقة بالقانون لان مصر عاشت فترة طويلة من تاريخها لم يكن فيها صراع بين الاديان ولم تعرفه علي الاطلاق وما نشأ حاليا ليس له صله بإصدار قانون أو غيره وإنما صلته المباشرة بالعقول والافكار فقد كانت ومازالت الكنيسة بجانب المسجد والمسلم مع المسيحي يعيشان في مكان واحد ولم تشبها ثمة شائبة ولكن نتيجة الوضع المختل وفقدان الممارسة الديمقراطية كانت الافكار والمشاريع التي تشعل نيران الفتن ويتساءل المستشار سامح هل فكرة احترام القانون متأصلة الآن في المواطنين حتي نفكر في اصدار قانون عبادة موحد؟! وما يحدث من انتهاكات ومنازعات الآن تؤكد وتوضح أنها غير مترسخة وغير متجذرة في المجتمع الآن؟! لذا فما هو الداعي لاصدار قانون جديد لا يلقي احتراما ومخالفته تثير القلق الديني والتوتر النفسي والفتن الطائفية وانما هناك ضرورة حتمية ألا وهي مناقشة الكثير من الأمور التي تسبب الفتن والمصادمات والمواجهات التشريعية. ويشير الدكتور جلال البنداري خبير القانون الدستوري إلي أن مشروع قانون بناء دور العبادة به العديد من المواد التي يصعب تنفيذها منها المساحة المحددة بألف متر التي يستحيل وجودها في أي مكان سواء بمدينة أو حي أو قرية أو حتي عزبة وتنفيذ العقوبة المشددة علي المخالفين من رجال الدين والذي يثير الفتنة والزعزعة بين الطوائف لأن المخالفة كبيرة جدا والعقوبة أشد وأكبر بالاضافة إلي أن تفويض المحافظ بمنح التراخيص لبناء دور العبادة تشوبه شبهات فقد تحدث عليه ضغوط بالموافقة أو الرفض في البناء فعندما يكون القرار فرديا في يد شخص واحد يحكم ويتحكم ولكن عندما يكون قرارا جماعيا تقل نسبة الشبهة بمعني أنه يجب أن تكون الجهة المختصة باستخراج التراخيص المجلس الشعبي المحلي باعتبار دور العبادة من المرافق العامة وأن اعضاء المجالس الشعبية المحلية هم الادري والاكثر علما ومعرفة باحتياج السكان الموجودين بالمنطقة لدور العبادة. وأخيرا يعتقد الدكتور جلال البنداري أن هذا المرسوم بمشروع القانون إذا صدر من الضروري أن يعرض علي أول جلسة في مجلس الشعب القادم لإقراره إلا أن المجلس من وجهة نظر خبير القانون الدستوري ربما يرفض هذا المرسوم نتيجة لشبهة عدم الدستورية.