تواصل نيابة الأموال العامة العليا تحقيقاتها عن كثب في الاتهامات المنسوبة لوزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان وتضمنها تقرير هيئة الرقابة الإدارية في محاضر استدلالات وتحريات قد يؤكدها تحقيق النيابة ومن ثم الإحالة إلي المحاكمة وتنتهي إلي الحفظ إذا لم تتوافر أدلة علي الإدانة. وقد فوجئ الرأي العام بقرار النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بمنع الوزير السابق من السفر ووضع اسمه علي القوائم بالمطارات والموانيء المصرية وإذا كان هذا الإجراء هو حقا أصيلا للنائب العام الذي يمثل سلطة التحقيق والاتهام خوله له المشرع وهو الوحيد الذي يقرر ويقدر متي يستخدم هذا الحق من عدمه كما استخدمه من قبل في الكثير من القضايا المهمة والتي تشغل الرأي العام, فقوائم المنع من السفر أو ترقب الوصول زاخرة بالأسماء ومنهم مسئولون ورجال أعمال ونجوم مجتمع, البعض منهم تحايل علي هذه القرارات وتمكن من التسلل خارج البلاد وآخرون تحسبوا لذلك وهربوا قبل إصدار قرارات منعهم من السفر وهناك العشرات من رجال الأعمال الهاربين في العاصمة البريطانية لندن وآخرون هاربون داخل مصر ولايعرف مكانهم برغم منعهم من السفر.. ولكن صدور قرار المنع من السفر خلال فترة التحقيق مع الشخص أمام النيابة العامة يثير تكهنات واحتمالات وجدلا بعيدا عن الواقع القانوني لتكييف الدعوي وتوصيف الاتهامات فيذهب البعض إلي الجزم بالإدانة وربما الحبس بعد المنع من السفر بل قد يتصور البعض أن ذلك مؤشر علي القطع بتوجيه التهم والإحالة إلي المحاكمة الجنائية مما يدعونا لطرح كل مايشغل ذاكرة المجتمع ويثير الالتباس في الفكر الجمعي. لعدم الهروب مصدر قضائي رفيع أكد أن قرار المنع من السفر هو إجراء إحترازي خوله المشرع لسلطة التحقيق ممثلة في النائب العام أو سلطة القضاء ممثله في المحكمة المختصة والهدف من إصداره هو إبقاء الشخص المطلوب تحت سلطة النيابة العامة والحيلولة دون هروبه خارج البلاد مما يعوق استكمال التحقيق أو جمع الاستدلالات ولأنه أفضل للعدالة مثول الشخص المطلوب أمامها بدلا من وجوده في أماكن أو بلدان خارج سلطة التحقيق في الدعوي واللجوء لما يسمي بالإنابة القضائية والتي لاتتم إلا بناء علي اتفاقات قضائية وبروتوكولات بين الدول ناهيك عن طول الإجراءات وأحيانا العقبات مما يغل يد العدالة في اتخاذ شئونها وفقا لمجريات التحقيق وانفاذا لقانون الإجراءات الجنائية لإبراء ساحة الشخص أو تأكيد الأتهام المنسوب إليه. * ولكن هل لقرار المنع من السفر مدلول معين حول الاقتراب من توجيه الاتهام من عدمه. ** قال المصدر القضائي لا علاقة لهذا الإجراء بمدي ثبوت الجريمة من عدمه فهو إجراء إحترازي مثل الحبس الاحتياطي مثلا فهو ليس دليلا علي الإدانة, فهناك الكثير وقد تم حبسهم احتياطيا في قضايا أثيرت حولها ضجة كبري وشغلت الرأي العام وفي النهاية حصلوا علي البراءة بحكم القضاء وكذلك قد يتم منع الشخص من السفر علي ذمة تحقيقات قضية معينة وينتهي التحقيق معهم بالحفظ وعدم تحريك الدعوي الجنائية لعدم وجود دلائل كافية علي إدانتهم ومن ثم يزول هذا الاجراء ويرفع اسم الشخص من قوائم المنع من السفر أو ترقب الوصول. * ولكن مامدة سريان المنع أو الترقب وهل تزول بزوال السبب تلقائيا؟ ** يوضح المصدر القضائي أن وضع أسماء الأشخاص علي قوائم المنع أو ترقب الوصول هو أحد إجراءات استكمال التحقيقات في بعض القضايا مثل التحفظ علي الأموال الهدف منه ضمان السيطرة أو الهيمنة علي الشخص المطلوب أو أمواله من قبل سلطة التحقيق والقضاء لحين انتهاء هذه التحقيقات وصدور قرار بشأنها فإذا انتهت للحفظ تصدر سلطة التحقيق قرارا برفع الأسم من قوائم المنع وترقب الوصول, أما إذا انتهت التحقيقات لمسار أخر وتجمعت أدلة علي الإدانة فهنا يستمر وضع أسم الشخص علي قوائم المنع من السفر أو ترقب الوصول حتي نهاية إجراءات المحاكمة وصدور حكما من القضاء فإذا جاء بالبراءة فيتم رفع الأسم من القوائم لعدم وجود مبرر لاستمراره. * هناك قرارات منع من السفر صدرت ضد بعض المطلوبين ولكنهم تمكنوا من الهرب خارج البلاد مثل ممدوح إسماعيل ونجله في قضية غرق العبارة السلام 98 وآخرين هربوا داخل البلاد مثل هاني سرور ويوسف عبد الرحمن وراندا الشامي وغيرهم؟ ** أجاب المصدر القضائي بعد تردد وتوقف قائلا هذه قضية أخري ليس لها علاقة بجهة إصدار قرار المنع أو الترقب الذي هو حق للسلطة القضائية.. ولكن تنفيذ القرار وتفعيله من اختصاص السلطة التنفيذية ممثلة في الأجهزة الأمنية في ادراج أسماء المطلوبين علي القوائم بجميع المطارات والمواني البرية والبحرية داخل مصر, أما تحايل البعض علي هذه القرارات بالهرب خارج أو داخل البلاد فهذا ليس من شأن سلطة التحقيق أو القضاء. * وهل قرارات المنع من السفر يراقبها القضاء؟ ** قرارات المنع إذا صدرت من سلطة التحقيق أو منصة القضاء لايتم الطعن عليها أمام القضاء فهي قرارات تقدرها سلطة التحقيق ممثلة في النائب العام أو المحكمة المختصة بنظر الدعوي, فمثلا عندما يباشر المحقق التحقيقات في قضية معينة وتنكشف أمامه ضرورة منع المطلوب من السفر حتي يكون رهن التحقيق في أي لحظة نظرا لتشعب التحقيقات وتوسعها وصولا للحقيقة أو الخوف من التلاعب بأدلة التحقيق فيطلب المحقق من النائب العام منع الشخص من السفر والذي بدوره يقدر الأمر ويصدر القرار لضمان وجود الشخص في أي وقت يتم استدعاؤه للتحقيق. حرية السفر المستشار سعد عبد الواحد رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا السابق أكد أن حرية السفر والتنقل من الحريات التي كفلتها الدساتير وحقوق الإنسان للمواطن وأحيانا يرد عليها استثناءات تتمثل في: إذا كان المنع من السفر أو ترقب الوصول مرده إجراءات أمن قومي تمس بلد هذا الشخص أو جريمة ما يقتضي الأمر التحقيق فيها ومنعه من السفر حتي لايهرب بجريمته أو يؤثر علي الأدلة فيها.. وهنا يتدخل المشرع عن طريق سلطة التحقيق أو الجهة القضائية المختصة لتأمر بالمنع من السفر وهذا إجراء بطبيعته مؤقت ويجوز التظلم منه أمام القاضي المختص حسب الأحوال, ويشير المستشار عبد الواحد إلي أن التظلم من هذه القرارات مباح بحكم القانون فإذا كان القرار صادرا من وزير الداخلية كقرار إداري يتم التظلم منه أمام محكمة القضاء الاداري, إما إذا كان صادرا بصدد جريمة معينة فيتم التظلم منه أمام المحكمة المختصة وهي دائرة من دوائر محكمة استئناف القاهرة. سلطة تقديرية ويوضح المستشار سعد عبد الواحد أن المنع من السفر من عدمه هو سلطة تقديرية للمحكمة التي تنظر الدعوي أو سلطة التحقيق التي تباشر تحقيقاتها فيها, مؤكدا أن القرار لايعكس دلالة أو توجها معينا نحو الادانة من عدمها أيضا والدليل علي ذلك موقف رجل الأعمال رامي لكح والذي تم وضع اسمه علي قوائم ترقب الوصول بقرار من النائب العام وبعد تصالحه مع البنوك وتسوية مديونياته سوف يصدر قرار برفع اسمه من قوائم الترقب كما نشر بالصحف مما يحق له التظلم من هذا القرار أمام القاضي المختص أو المحكمة التي تنظر الدعوي وهي صاحبة السلطة في الرفض أو التأييد وفقا لتقديرها وظروف الدعوي الماثلة أمامها وبعد صدور القرار يتم إخطار وزارة الداخلية فهي المسئولة عن تنفيذ هذه القرارات وإدراج أسماء المطلوبين علي القوائم بجميع منافذ الجمهورية فضلا عن إخطار الانتربول الدولي في حالة وجود الأشخاص المطلوبين خارج البلاد. جهات المنع * ولكن ماهي الجهات التي أعطي لها المشرع الحق في المنع من السفر أو ترقب الوصول؟ ** يجيب المستشار سعد عبد الواحد أن هذه السلطة أختص بها المشرع القضاء من خلال المحكمة صاحبة الشأن أو النائب العام ممثلا لسلطة التحقيق وهذا لايكون إلا في القضايا الجنائية ولمصلحة العدالة في تحقيق الواقعة وكشف الحقيقة وعدم طمس معالمها أو اخفاء استدلالاتها وفي بعض الأحوال يصدر وزير الداخلية قرارات بمنع بعض الأشخاص من السفر وذلك لاعتبارات أمنية يقدرها هو لحماية أمن البلاد خاصة مايتعلق بالأمن القومي فضلا عن جهات سيادية أخري لنفس الأسباب. * وأخيرا لقد صدر قرار منع وزير الإسكان السابق من السفر د.محمد إبراهيم سليمان بثلاثة أسماء وليس اسما واحدا فقط مما استوقف البعض عن مغزي هذا وهل يحمل الوزير جواز سفر بثلاثة أسماء أم ثلاث جوازات سفر بهذه الأسماء المختلفة؟ ** مصدر مسئول يوضح هذا المغزي قائلا: إن ذلك إجراء احترازي أيضا الهدف منه إحكام تطبيق القرار عند تنفيذه من خلال الادراج علي قوائم المنع من السفر بالمواني والمطارات!!