في ذكري التنحي من كان سيحكم مصر اليوم؟ مساء يوم8 يونيو1967 وفي اتصال تليفوني بين الرئيس جمال عبدالناصر ومحمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام في ذلك الوقت, اتفق الاثنان علي استقالة عبدالناصر لأن النظام الذي يعجز عن حماية حدود وطنه يفقد شرعيته.وحسب رواية الأستاذ هيكل فإن عبدالناصر أبلغه أنه اتفق مع المشير عبدالحكيم عامر علي ابتعاد الاثنين عن السلطة واختيار شمس بدران رئيسا مؤقتا ليتولي أمور الجيش. ولكن هيكل اعترض علي شمس بدران وأقنع عبدالناصر بأن يتولي زكريا محيي الدين الرئاسة خلفا لناصر باعتباره أقدم اعضاء مجلس قيادة الثورة في ذلك الوقت. وقد تطورت الأحداث كما اصبح معروفا, وخرجت التظاهرات العفوية والمرتبة مسبقا في تلك الليلة وانتهي الأمر بعدول عبدالناصر عن التنحي, في الوقت الذي فوجيء فيه عبدالحكيم عامر وشمس بدران وزكريا محيي الدين نفسه بالاسم الذي أعلنه عبدالناصر ليخلفه. ولعل السؤال: ماذا لو كانت الاحداث قد جاءت بشمس بدران أو زكريا محيي الدين الي الحكم؟ من المفارقات أن الاثنين مازالا علي قيد الحياة حتي اليوم, وربما علي أساس قاعدة ان من يجلس علي الكرسي لا يغادره إلا الي القبر أو كما حدث أخيرا إلي المحكمة, فهل كان من الممكن أن يكون أحدهما هو الذي يحكم مصر اليوم؟! وشمس بدران من مواليد ابريل1929, أي أكبر سنة واحدة من حسني مبارك وقد اشتهرت دفعة الكلية الحربية التي تخرج فيها شمس عام1948 لا بسبب شخصياتها وانما بسبب أنه بعد ان كان شمس مرشحا لرئاسة مصر, فقد اتهمه عبدالناصربتدبير انقلاب ضده مع المشير عبدالحكيم عامر. وصدر الامر بالقبض علي كل أفراد دفعته رغم أن فيهم كثيرين لم تكن لهم علاقة به, لكنهم دفعوا ثمن زمالتهم لشمس, وفيهم من بقي في السجن إلي ما بعد وفاة عبدالناصر. جملة واحدة غيرت الحرب وقد شارك شمس بدران في حرب48 وحوصر في الفالوجا ضمن افراد الكتيبة التي يرأسها عبدالناصر, ومن هنا كانت بداية العلاقة بين الاثنين, وعندما اختار عبدالناصر صديقه عبدالحكيم عامر لقيادة القوات المسلحة, اختار شمس بدران مديرا لمكتبه مما جعل البعض يعتبر شمس عين عبدالناصر علي عبدالحكيم, ولكن شمس تمكن من كسب ثقة الاثنين واقناع كل منهما بأنه رجله عند الآخر, وألاغلب كما في معظم روايات التاريخ انه لو أتيح لشمس أن يحكم لتخلص من الاثنين وانفرد بالسلطة! وقد لعب شمس بدران الذي كان في ذلك الوقت وزيرا للحربية لهدف واحد هواحتمال المساءلة أمام البرلمان علي أساس أن الاثنين الكبار( ناصر وحكيم) معصومان من المساءلة.. أقول لعب شمس دورا خطيرا في زج مصر في حرب67 عندما عاد من موسكو يوم28 مايو بعد زيارة ثلاثة أيام, اجتمع خلالها مرتين بالقادة السوفيت. ورغم تحفظ السوفيت في تقديم الدعم العسكري لمصر إذا بدأت هي الحرب, فإن شمس تجاهل كل الحوارات الرسمية التي دارت في الاجتماعين والتقط جملة واحدة بالتأكيد كانت مجاملة قالها له الماريشال جريتشكو وزير الدفاع السوفيتي وهو يودعه علي سلم الطائرة, إذ قال له نحن معكم فلا تنزعجوا وقد ترجمها بدران لعبدالناصر بأن السوفيت سيدخلون الحرب إلي جانب مصر( هكذا) وبعد ساعات من تلقي عبدالناصر هذه الرسالة أعلن في مؤتمر صحفي عالمي تحديه لإسرائيل وترحيبه بالحرب معها. عندنا اللي يبطط الأسطول السادس! وبعد يومين اثنين وفي اجتماع لمجلس الوزراء وقف شمس بدران في الاجتماع كما روي الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة في ذلك الوقت, وشرح لأعضاء المجلس علي خرائط فردها خطة مصر في القضاء علي اسرائيل, وعندما سأله انور سلامة وزير العمل عن احتمالات تدخل الولاياتالمتحدة بأسطولها السادس الموجود في البحر الأبيض أجاب شمس بالحرف الواحد عندنا الل يبططه. وربما كان اخطر ما في ذلك مفردات الكلمات التي ترددت علي ألسنة الكبار خلال أخطر الأزمات التي تركت أثرها في تاريخ مصر والمنطقة. فعندما سأل عبدالناصر عبدالحكيم عامر عن مدي استعداد القوات المسلحة المصرية للحرب مع اسرائيل كانت اجابة عبدالحكيم التي ترددت كثيرا: برقبتي ياريس, وعندما سئل جمال في المؤتمر الصحفي العالمي الذي عقده يوم28 مايو عن احتمالات ان يحدث له ما حدث لانتوني ايدن رئيس وزراء بريطانيا في عدوان56 حيث فقد فيه رئيس وزراء بريطانيا مستقبله السياسي كان رد جمال عبدالناصر انا مش خرع مثل ايدن, وكانت مشكلة ممثلي الإعلام العالمي العثور علي الترجمة الانجليزية لكلمة خرع, ومن حسن الحظ أن شمس بدران وصف ما سيواجهه الأسطول السادس لو تدخل بكلمة حنبططه التي يفهمها كل أعضاء مجلس الوزراء. انتهت هذه المرحلة علي كل حال, ومن مرشح لرئاسة مصر الي متهم بالتآمر والقبض عليه ومحاكمته وهروبه الي لندن, حيث مازال يعيش هناك, أما زكريا محيي الدين الذي رشحه هيكل وابن عمه خالد محيي الدين فهما الوحيدان الأحياء من مجلس قيادة ثورة يوليو أطال الله عمريهما. وزكريا من مواليد مايو1918 وهي نفس السنة التي ولد فيها جمال عبدالناصر, إلا أنه سبق جمال عبدالناصر في دخول الكلية الحربية في أكتوبر1936, ولذلك لم يلتق زكريا بعبدالناصر في الكلية وانما في منقباد في صعيد مصر وكان الاثنان بعد تخرجهما قد نقلا للخدمة فيها. ويبدو أن زكريا كان حريصا فلم يفاتحه عبدالناصر في الانضمام الي الضباط الأحرار إلا قبل ثلاثة أشهر فقط من ليلة قيام الثورة. مع ذلك فإنه كتب خطة تحرك القوات ليلة الحركة. وبعد ذلك قاد عملية حصار فاروق في رأس التين في الإسكندرية. وزكريا رجل تخطيط فهو الذي أنشأ أول جهاز مخابرات عامة في مصر وتولي وزارة الداخلية في فترة مواجهة الاخوان المسلمين, وعددا من المناصب آخرها رئاسة الوزارة عام1965 لمدة11 شهرا, ومنذ ذلك الوقت علي مدي45 عاما لم يفتح فمه بكلمة واحدة. ge.gro.marha@tnomhalas