أعتقد أن من يقرأ بدقة وقائع التاريخ سوف يجد أن بعض الناس- وكذلك بعض الدول- لا تستدل علي الطريق الصحيح إلا بعد أن تتعثر خطاها علي الطريق الخطأ.. وبعض الناس- وكذلك بعض الدول- تأخذ وقتا طويلا حتي تتعلم من تجاربها وتستوعب تجارب الآخرين.. وأصدق مثال علي الذي أقول به هو السياسة الأمريكية وأسلوبها في التعامل مع الأزمات والقضايا الدولية حيث حصرت الولاياتالمتحدة خيارات التعامل خارج حدودها وتحديدا تجاه منطقة الشرق الأوسط في دعم ومناصرة إسرائيل وجعلها دولة فوق القانون الدولي. وربما يكون صحيحا أن صناعة القرار السياسي الأمريكي لا تخضع بأكملها لتوجهات ساكن البيت الأبيض والإدارة المعاونة له, وإنما هي نتاج توازنات عديدة يلعب فيها الكونجرس دورا مميزا لكن الملاحظ هو أنه سواء كان الرئيس الأمريكي من الحزب الديمقراطي- كما هو الحال الآن- أو من الحزب الجمهوري فإن الأمر واحد لأن منهج إرضاء إسرائيل يمثل بندا أساسيا وثابتا في أبجديات السياسة الأمريكية. وإذا فرغت من هذه المقدمة الضرورية إلي صلب ما أريد أن أتحدث عنه تحديدا, وأن أسمي الأشياء بمسمياتها فإنني سوف أناقش- بكل أدوات العقل والمنطق- مسألة الضغوط الأمريكية التي كثر الحديث عنها بشأن معارضتها عرض قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية علي الأممالمتحدة في سبتمبر المقبل لأن هذه مسألة يمكن أن تترتب عليها تداعيات سلبية خطيرة. إن من خداع النفس أن يجري التعامل عربيا مع هذه الضغوط الأمريكية بمنهج التهوين لأن المطلوب شيء أكبر وأشمل وأعمق من مجرد تفنيد الحجج والذرائع الأمريكية لتبرير هذه السياسات, وإثبات مدي ظلمها وغطرستها! وإذا كانت الأوضاع العربية لا تسمح بالذهاب إلي أي نوع من الصدام المباشر مع أمريكا فإننا أمام مأزق لا يصلح معه الانبطاح والاستسلام المطلق للمشيئة الأمريكية, وإنما المطلوب هو إرادة رفض عربية محسوبة تبدأ بإثبات قدرة العرب علي احتواء الآثار المباشرة لهذه الضغوط وتصحبها إشارات جادة تعكس استشعار الجميع بأن الخطر لا يهدد القضية الفلسطينية وحدها, وإنما هو مقدمة لخطر قد يطال الجميع تباعا بعد أن أصبح اللعب علي المكشوف! وللأسف الشديد فإن الانقسام والتشرذم والتشتت العربي الراهن لا يشجع أمريكا علي استمرار نهجها وإنما أيضا يشجع إسرائيل علي زيادة مطامعها! خير الكلام: