ألقت الظروف الراهنة بمهمة كبري علي دار الكتب والوثائق, حيث بدأت الجهود تبذل لتوثيق الحدث التاريخي الذي غير مجري التاريخ المصري الحديث, وهو ثورة25 يناير. وكان لابد من لقاء د. صابر عرب, المسئول الأول عن دار الكتب والوثائق, للوقوف علي خطط وجهود الدار علي طريق توثيق وكتابة هذا التاريخ الذي سيخلد للأجيال المقبلة. ماذا عن الكم الهائل من وثائق أمن الدولة التي تم التخلص منها بعد الثورة؟ قال د. صابر عرب: فيما يتعلق بوثائق أمن الدولة التي حرقت أو لم تحرق هناك أنواع مختلفة من وثائق أمن الدولة, فهناك التقارير التي تتعلق بأمن المجتمع من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية, فهذا النوع من الوثائق علي درجة كبيرة من الوقاية يستوجب الحفظ والرعاية ونترك للباحثين إمكانية دراسة واستخلاص النتائج علي ضوء رؤية المؤرخ, وهي مسألة أكاديمية بحتة. أما الوثائق التي تتعلق بالأشخاص وكتابة تقارير عنهم سواء كانت من خلال مراقبة تليفوناتهم أو متابعة حياتهم الشخصية, وقد تعرض كثير من المصريين لهذا النوع من المتابعة والملاحقة, هذا النوع من الأوراق لا يعد وثائق بالمعني العلمي, وإنما هو مجرد كتابة تقارير تسيء للأشخاص بقدر ما كانت تسيء إلي النظام نفسه, علي اعتبار أن الحياة الخاصة لأي إنسان مصونة وفق القانون, وكل هذه الأوراق لا تستوجب الحفظ ولا الاهتمام. أما إذا كان فيها ما يستوجب الاهتمام من قبيل قضايا التجسس واختراق المؤسسات الوطنية بهدف العمل لمصلحة جهات أجنبية, فهذا النوع يستوجب الحفظ والدراسة مع ملاحظة أنه ليس كل ما يكتب علي شكل تقارير يعد وثيقة بالمعني الفني للوثائق, خصوصا إذا ما كان الذين يكتبون هذه التقارير لا يقدرون خطورة ما يكتبون, وأعتقد أيضا أن أمن الدولة خلال المرحلة السابقة قد فقد مصداقيته بدرجة كبيرة, لذا فمعظم ما ورد علي شكل تقارير لا يحمل قدرا ولو بسيطا من الحقيقة. بالنسبة لتأريخ ثورة52 يناير, هل حصلتم علي وثائق أو تم عمل حوارات لكتابة تاريخ الثورة؟ د. صابر عرب: شكلت دار الكتب منذ نهاية الثورة لجنة بقرار وزاري لجمع وثائق ثورة25 يناير, واللجنة الآن تقوم بدورها وسوف يمتد المشروع ليشمل جوانب كثيرة من الثورة, من بينها شهادات الشهود الذين عايشوا الثورة, وكذا كل المادة المنشورة علي الفيس بوك وصفحات التواصل الاجتماعية, وأيضا الأغاني والرسومات والأشعار وكل الأفلام التوثيقية التي كانت تبث من القنوات الفضائية المختلفة, وكذلك التوثيق لشهداء الثورة, ليس في القاهرة فقط, وإنما في كل المدن وعواصم المحافظات المختلفة, ولا بأس أيضا من رصد أوضاع مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات القليلة التي سبقت الثورة. هذه كلها بمثابة الذاكرة الحقيقية لثورة25يناير.. وهنا نحن لا نقوم بكتابة التاريخ وإنما نوثق المادة الفنية المقروءة والمسموعة والمرئية لكي تكون في متناول المؤرخ حينما تتوافر الظروف العلمية والفنية لكتابة تاريخ الثورة. كل هذه المادة فضلا عما يكتب في الكتب أو ينشر علي شكل مقالات في الصحف أو ما نشاهده علي برامج الحوارات في التليفزيون أو الإذاعة جميعها مادة سوف يعتمد عليها المؤرخ في المستقبل لكتابة تاريخ الثورة, نظرا لأنه من الناحية العلمية والأكاديمية والمنهجية يصعب كتابة تاريخ الثورة في أثناء وقوعها أو عقب وقوعها مباشرة, فلابد أن يهدأ المجتمع وتستقر الأحوال المصرية وتتاح كل التفاصيل التي واكبت الثورة من قبيل: هل استقال الرئيس أو أجبر علي الاستقالة؟ هل تلقي وزير الداخلية تعليمات واضحة بقتل المتظاهرين؟ ما هي المعلومات التي كانت تدورفي دهاليز قصر الرئاسة أثناء الثورة؟ ما هي السياسة التي استخدمتها وزارة الداخلية بأجهزتها المختلفة لمواجهة الثورة؟ ما هو دور الحزب الوطني بلجانه وتشكيلاته في مواجهة أحداث الثورة؟ هذه كلها أسئلة لا يمكن الإجابة عليها في الوقت الحالي إلا بعد أن تستقر الأوضاع وتتاح المعلومات عقب الانتهاء من التحقيقات القضائية, ولذلك أعتقد أنه من الصعب كتابة التاريخ لهذه الثورة إلا بعد انقضاء خمس سنوات علي الأقل. ألا تري أن دور المؤرخ غائب الآن؟ د. صابر عرب: مصر لديها مؤرخون ممتازون ينتمون إلي أجيال مختلفة ابتداء من جيل الأساتذة الكبار وجيل الوسط وجيل الشباب مهمتهم في الوقت الحاضر هو الرصد وجمع المعلومات والمشاهدة والاحتفاظ بجمع كل ما هو مكتوب أو منشور بأي وسيلة من وسائل النشر حتي تتاح له الفرصة إذا أراد أن يكتب عن تجربة الثورة. أما ما يكتب الآن فهو ليس تاريخا وإنما هو كتابة اجتماعية أو سياسية يمكن أن يستخدمها المؤرخ حينما تتاح الفرصة لكتابة التاريخ. وكيف تري مستقبل الوثائق في ظل الفوضي الحاضرة؟ د. صابر عرب: هناك إجراءات كثيرة تقوم بها الدار من خلال الاتصال بكل الوزارات والمصالح والهيئات المختلفة.. لكن أعتقد أن هناك وعيا اجتماعيا وسياسيا يفرض علي جهات الدولة المختلفة أن تعي أهمية الوثائق.. ونحن الآن بصدد الانتهاء من اللمسات الأخيرة لمشروع قانون الوثائق الذي ظل معطلا في دهاليز الحكومة منذ سنوات طويلة سوف تنتهي من إعادة المشروع ومراجعته خلال نهاية هذا الأسبوع لكي نتقدم به إلي الحكومة لإقراره من المجلس العسكري.