ما الذي نريده من قانون السلطة القضائية المنتظر؟! وما هي أحلام القضاة في تحقيق الاستقلالية؟! وكيف نقطع الخيط الرفيع بين الجلوس فوق المنصة وممارسة العمل السياسي. وكيف يبتعد القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية حتي تظل الثقة ثابتة وكاملة؟! وهل سيتم تعديل هيكل مجلس القضاء الأعلي؟! وماذا سيكون الموقف بالنسبة لتبعيته للتفتيش القضائي؟! وما هي الآليات التي سوف يتضمنها القانون ليحمي العدالة من تأثير وسائل الإعلام والرأي العام؟! علامات استفهام عديدة تطرح نفسها بقوة داخل الأوساط القضائية وحماة العدالة من أجل الوصول إلي نقطة استقرار تحقق التوازن وتعيد الثقة وتغلق أبواب الاجتهاد فيما من المفترض هو ثابت. تجولنا في هذا التحقيق لنستمع إلي مختلف الأصوات التي حتما ستتفق في مطالب يحدوها الأمل أن تتحقق من أجل رسوخ كلمة العدل المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض يتحدث بشغف وحماس شديدين عن معني الاستقلال في محراب العدالة مؤكدا أن هذا المعني يترتب عليه تفاصيل الملف القضائي, بل أنه اعتبر الاستقلال مثل عضو في جسد الإنسان إذا تعافي وصلح هذا العضو تعافت باقي أعضاء الجسد, كما أن مكي له عدة مطالب مهمة في مقدمتها ضوابط اختيار رجال القضاء بحيث تكون علي أسس قوية تتوافر فيها سمات حسن الاختيار دون تجاوز معايير من شأنها أن تقود كوادر القضاء إلي هز الثقة فيهم, غير إنه لم يغفل التأكيد مرة ثانية علي ضرورة وجود مؤسسة تدافع عن استقلال القضاء إذ جزم بقوله عدم وجود أي مؤسسة تتولي مهمة الدفاع عن استقلال القضاء, كما أنه طالب باستعادة اختصاص القضاء الموزع بين جهات عديدة, ولفت المستشار مكي أعين المشرعين والقائمين علي صياغة القانون إلي عدم ندب القضاء إلي جهات حكومية وان يتحول مجلس القضاء الأعلي إلي مؤسسة مهمتها الدفاع عن استقلال القضاء. قبل أن ينهي نائب رئيس محكمة النقض حديثه توقف معنا عند نقطة محورية ومهمة قائلا: يجب وجود ضوابط تحمي القضاء من تحمل تبعيات أو اخطاء غيره في ملفات جديدة منها علي سبيل المثال ملف الانتخابات والتي اعتبرها مكي في مقدمة الملفات التي ساهمت بشكل كبير في هز الثقة في القضاء في السياق ذاته نجد المستشار محمود حلمي الشريف المستشار بمحكمة النقض وسكرتير عام نادي القضاة قبل أن يعدد مطالبه فضل أن يستهل حديثه حول القضاء قائلا: لما كانت ولاية القضاء من أعلي الولايات قدرا وأجلها خطرا وأعظمها شأنا وأشرفها ذكرا لأن بها تحرم الأعراض وتصان الأموال وتعصم الدماء, فالقضاء إلي ساحته يهرع الناس جميعا يلتمسون منه العدل والنصفة وهم عنده سواء لا قوي ولا ضعيف لديه ولا شريف ولا وضيع فلا يرهب أحدا لقوته ولا يستخف أحد بهوانه فهو مأمن الخائفين وملاذ المظلومين وسياج الحريات وحصن الحرمات, ومن ثم فان استقلال القضاء هو اداة تحقيق العدالة في المجتمع وترسيخ قواعدها, وإذا كان العدل أساس الملك فإن استقلال القضاء هو أساس العدل ثم يقطع المستشار الشريف استهلاله واسهابه ليتوقف عند الذي يريده من قانون السلطة القضائية فيطالب: بضرورة تعديل القانون بمزيد من استقلال القضاء واعانته علي بلوغ رسالته السامية وذلك عن طريق تفعيل الموازنة المستقلة للقضاه بجعلها تستوعب كل مطالبهم واحتياجاتهم دونما نقص يدعوهم إلي الحاجة لغيرهم, أيضا الحاق التفتيش القضائي بمجلس القضاء الأعلي وتقنين مدد الندب والاعارة بما لا يسمح بابتعاد القاضي عن عمله فترة طويلة. كما شدد المستشار الشريف علي ضرورة الحد من تدخل وسائل الإعلام في التأثير علي القضاة بالترغيب أو الترهيب, ومنع القضاة من الظهور في وسائل الإعلام أو مخاطبته مع وضع نص جنائي وتأديبي لمخالفة ذلك. في الوقت نفسه أشار سكرتير عام نادي القضاة إلي الاسراع في انشاء نظام الشرطة القضائية بما يكفل للقضاة أمنهم وسلامتهم وللقضاء هيبته واحترامه وهو ما يعود بالنفع وتحقيق الأمان واقرار العدل للمتقاضين كما يكفل تنفيذ الأحكام واحترامها. صوت مختلف بين القضاء هو المستشار زكريا شلش رئيس الاستئناف بمحكمة القاهرة يحرص علي تأكيد مبدأ الاقدمية بين القضاة, وهو ما يستتبع تعديل تشكيل مجلس القضاء الأعلي مع مراعاة عدد مستشاري محاكم الاستئناف ليتكون المجلس من أقدم ثلاثة مستشارين بالنقض وخمسة مستشارين بالاستئناف والنائب العام الذي يجب تعيينه بالاقدمية وتكون رئاسة المجلس لاقدمهم كما أنه يجب قصر الإعارة علي أربع سنوات طوال مدة الخدمة بمعايير معينة سواء متصلة أو منفصلة حتي يتم استبعاد المحسوبية والمجاملة في الإعارة. كما أنه مادام القانون استلزم للتعيين في وظائف القضاء حصول المرشح علي تقدير جيد علي الأقل فمن باب أولي يتطلب للتعيين في محكمة النقض ذات الشروط إذ إن الاحصائيات كشفت أن معظم أعضاء محكمة النقض من الحاصلين علي تقدير مقبول وممن عينوا بنظام المسابقة من موظفي الحكومة والقطاع العام ومن رجال الشرطة وأن التعيين بنظام الانتخاب من الجمعية العمومية لمحكمة النقض بدأ يمهد لنظام التوريث بالمحكمة وهذا يغي عنصر الكفاءة. إلي ذلك لم يغفل المستشار شلش القول بضرورة تشكيل الأمانة العامة لمجلس القضاء الأعلي من أعضاء يمثلون جميع المحاكم والنيابة العامة لأنها تختص بعرض الأوراق المتعلقة بجميع رجال القضاء وجري العمل لسبب غير معروف علي قصر الندب للعمل بأمانة المجلس علي أعضاء محكمة النقض, وهو أمر لا يستقيم,كما يجب ألا تكون تبعية التفتيش القضائي لمجلس القضاء الأعلي وليس وزارة العدل وأن يكون قرار الاحالة لمجلس التأديب أو الصلاحية عن طريق أقدم لجنة من ثلاثة قضاة من غير أعضاء المجلس هذا فضلا عن ضرورة قصر التعيين في بداية السلم القضائي علي خريجي كليات الحقوق وظائف معاون النيابة واستبعاد التعيين لخريجي كلية الشرطة لاهتمام الدراسة فيها علي المواد الشرطية أكثر من المواد القانونية لاسيما أنه ليس من الصواب مزاحمة خريجي الشرطة لخريجي كليات الحقوق غير أن هناك مطلبا مهما يتعلق بأعضاء النيابة فإذا كان العمل بالنيابة العامة يجعلها الحصانة الملائمة لرجال القضاء حيث إنهم محصنون من العزل بغير الطريق التأديبي ولم يختلطوا في بداية عملهم الوظيفي بفئات أخري يخشي علي سلوكهم منها فيجب ألا يكون قصر التعيين في باقي درجات القضاء علي أعضاء النيابة العامة وعن طريق الترقية, كما أنه يجب وضع تعريف محدد لأعمال السيادة التي تمتنع المحاكم عن نظرها. وفيما ينادي غالبية القضاة بضرورة إجراء هذه التعديلات تدعيما لاستقلال القضاء, وأن القانون الحالي سبب أزمة قد تصل إلي حد الفتنة بين القضاة لمحاولة البعض أن يجعلوا أنفسهم أوصياء عليه والاستئثار بكل السلطات فنجد المستشار محمد عبده صالح المحامي العام بنيابة النقض وعضو مجلس إدارة نادي القضاة يؤكد ضرورة نقل تبعية التفتيش القضائي إلي مجلس القضاء الأعلي حتي ينفصل القضاء عن السلطة التنفيذية بكل صوره خاصة انه صدر منذ عامين قانون بتعديل بعض مواد قانون السلطة القضائية تمثل أهمها في الموازنة المستقلة للقضاء وبهذا يكون القاضي مستقلا ماديا ومعنويا عن السلطة التنفيذية الأمر الذي يجعل القاضي بعيدا عن أية ممارسات تنا ل من حيدته وتجرده, بنقل تبعية التفتيش القضائي إلي مجلس القضاء الأعلي يتحقق أمران: الأول مزيد من الاستقلالية للقاضي أما الثاني: فهو ارتياح الشعب فيما يصدره القاضي من أحكام. في الوقت نفسه, يؤكد المستشار عبده صالح ضرورة أن يتضمن التعديل تعيين رؤساء المحاكم الابتدائية بالأقدمية وليس بالاختيار. كما يجب أن تكون حركة التنقلات لأعضاء النيابة والقضاء أخذا بمبدأ التقريب من محل الإقامة, فضلا عن ضرورة إعادة لقب مستشار بدلا من قاض التي تم تعديلها في قانون السلطة القضائية الأخيرة. أما المطلب المختلف والمهم في رأي المستشار عبده صالح فهو ضرورة توسيع اعضاء مجلس القضاء الأعلي بما يسمح بانضمام شباب القضاة والنيابة العامة ورئيس نادي قضاة مصر لكونه يمثل صوت قضاة مصر.