الأمية الإعلامية عرفنا منذ وقت بعيد كيف أن' الأمية' بمعني عدم القدرة علي القراءة والكتابة والقيام بالحسابات البسيطة هي من آفات البلاد المتخلفة. وعرفنا بعد ذلك أن' الأمية' هي أكثر خطورة من هذه الأساسيات, وأنه من الضروري للأمة وتقدمها أن ينهي أبناؤها في سن التعليم الدراسة الإعدادية علي الأقل حتي يمكن القول إنهم أصبحوا متعلمين. وعرفنا بعد ذلك أن كل ذلك ليس كافيا, وأن المرء في العصر الحديث يصبح أميا ما لم يكن عالما بالكمبيوتر والقدرة علي استخدامه والاستفادة من الطاقات المعرفية الكامنة فيه, والاتصال الاجتماعي والسياسي أيضا القادر عليه. وكأن كل ذلك ليس كافيا, فقد اكتشفت في أثناء مشاركة لي عن الديمقراطية أن هناك إضافة جديدة إلي عالم' الأمية' اسمها' الأمية الإعلامية'. والمسألة ببساطة هي أن الثورة الإعلامية الراهنة بكل أدواتها تشكل أخطارا علي الديمقراطية بالقدر الذي كان لها فضائل عليها من حيث الشفافية والمحاسبة ونزع الشرعية عن الاستبداد من خلال حرية الرأي والتعبير. ولكن للإعلام وجها آخر, فهو أحيانا' يشخصن' القضايا, وأحيانا أخري قد' ينفخ' في قيادات أكثر من حقها, وأحيانا ثالثة يمكن أن يكون أداة في التعبئة للفتن الطائفية والعرقية, وأحيانا رابعة يكون مجالا للديماجوجية والشعبوية التي لا تقود البلاد من حالة سيئة إلي حالة أفضل, وإنما تأخذها من حالة سيئة إلي حالة أكثر سوءا من خلال أحلام غير قابلة التحقيق. وهناك ما هو أكثر بالطبع, وبذلك فإن المهتمين بالديمقراطية وتحولات الدول إليها وجدوا من الضروري إزالة' الأمية الإعلامية' بمعني أنه من الضروري تعليم المواطنين كيفية التعامل مع الفيض الإعلامي فيفرز فيه الغث من السمين; والتعامل مع الآراء والتوجهات المختلفة التي تتدفق علي المواطن من خلال الأخبار والبرامج الحوارية أو حتي الوثائقيات. خلال هذه العملية لا يصاب المواطن' بالخضة' لأنه سمع رقما ربما لا وجود له, أو أنه تمت حسبته بطريقة مضللة, أو أن هناك ببساطة أرقاما أخري يمكن الرجوع إليها للتعرف علي الحقيقة. هنا فإن المواطن ليس سلبيا متلقيا, وإنما باحث مقلب للأمور علي أوجهها المختلفة حتي لا يأخذه أحد إلي وجهة قد تقوده أو تقود بلاده إلي التهلكة. تري من يقوم بهذه المهمة في مصر؟! [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد