ثقافة اختيار الوزراء(1) مع اتساع حجم الحراك السياسي الذي تشهده مصر في شكل تعدد وتنوع الرؤي حول مستقبل الحكم بعد الفترة الانتقالية يبرز علي السطح عنوان ملفت يتعلق بالمفاضلة بين تشكيل الحكومة من وزراء سياسيين أو تشكيلها من تكنوقراط. والحقيقة أن هذه النقاشات لها أسبابها العديدة, وأبرزها أننا مازلنا محكومين بثقافة عامة نتوارثها جيلا بعد جيل حيث لا يري الناس في مرآة العمل الوطني سوي صورة الوزير الذي يمنح ويمنع الامر, الذي أدي إلي نشوء انطباع بعدم الاطمئنان إلي أي التزام أو تعهد رسمي يصدر عن أي مستوي يقل عن مستوي الوزير... وبعيدا عن الانجرار لدوائر الجدل الدائر حول أفضلية الوزير السياسي أم الوزير الاكاديمي فإننا لابد أن نتفق بداية علي أن منصب الوزير في بلد مثل مصر يجب أن يكون مزيجا من الخبرة السياسية والمعرفة المهنية. أريد أن أقول بوضوح إن الوزير في معظم دول العالم يماثل دوره دور الطبيب المعالج تماما... والطبيب البارع لا يعالج مريضه بعقار يسبب له مرضا دائما في مكان آخر من جسده, وكذلك الوزير الناجح لابد أن يعتبر الدولة جسدا واحدا تعتمد أعضاؤه بعضها البعض, ومن هنا فإن الوزير السياسي يتميز عن الوزير الاكاديمي بقدرته علي أن يري الصورة بشكل أشمل من نطاق الحدود الضيقة لوزارته التي يشغلها فقط وبالتالي يتمكن من إجراء القياس الصحيح لدرجة حرارة الرأي العام بترمومتر سياسي دقيق! وإذا كان الوزير الاكاديمي يتميز بسلاح العلم والمعرفة وإجادة فهم وتفسير الأرقام والإحصاءات وهذه كلها مميزات لاينكر قيمتها أو أهميتها أحد فإن هناك من يري أن الخبرة الأكاديمية يمكن أن تتوافر للحكومة عن طريق روافد عديدة تمثل تنوعا فريدا من خلال الجامعات ومراكز البحث العلمي والمجالس القومية المتخصصة والهيئات العاملة في مجال الأمن القومي... أما الوزير السياسي فإن ما يرجح كفته من وجهة نظر البعض هو امتلاكه لقدرة التأثير علي الرأي العام إلي حد معقول من خلال امتلاكه لأدوات خطاب سياسي يصنع به تواصلا بين الشعب والحكومة من خلال القدرة علي المصارحة بحجم المصاعب إن وجدت وربط ذلك في التو واللحظة ذ! وغدا نواصل الحديث. خير الكلام: رب مشورة جلبت نعمة ومنعت نقمة... والعكس أيضا صحيح! [email protected]