إذا كانت جمعة الغضب الأولي هي التي قادت إلي تغيير في هيكل السلطة في مصر بإرادة شعبية سلمية لأول مرة منذ قدوم محمد علي باشا إلي الحكم, في أوائل القرن التاسع عشر, فجمعة الغضب الثانية قد أثبتت أن إرادة المصريين علي استكمال طريق الثورة. , وتغيير كامل النظام لم تكل, ولم تهن بعد, خاصة أن الذين نزلوا إلي ميدان التحرير, وأدوا مقدما كل المخاوف والمخاطر والرهانات المتشائمة, وبذلك سقطت الشعارات التي كان يخشي منها علي وحدة الثورة, وعلي وحدة الجيش والشعب. ومن المنطقي جدا, ونحن لا نهتم إلا بمصر ومستقبلها, أن نختلف دون أن ننقسم, أن نتحاور دون أن نتعارك, أن نفكر دون أن نتهم, فنحن علي مشارف عصر نصنعه بأيدينا, ولا نريد أن تفرضه جماعة, أو فئة, أو تيار, أو حزب علينا. نريد توافقا مجتمعيا من كل أطيافنا, وأفكارنا, ورؤانا, وطبيعي أن يطالب كثيرون منا بأن يكون الدستور الجديد هو مدخلنا إلي النظام الذي نريده, فالدستور في رأيهم هو الحكم الذي يحدد قواعد العمل في كل مجالات حياتنا العامة, هو لب أي نظام, ولا يمكن أن نؤجل بناء النظام العام إلي ما بعد انتخابات قد تطول أكثر مما نتوقع في ظل ظروف أمنية شديدة التعقيد, والانتخابات نفسها الآن لها مخاطر تستدعي عند ثوار جمعة الغضب الثانية التأجيل. والأهم هو المطالبة بالشفافية المطلقة في اتخاذ أي قرار, وعدم انفراد المجلس العسكري بإصدار القوانين. وطبيعي أيضا أن يطالب فريق آخر باحترام نتائج الاستفتاء الدستوري الذي جري, وأن يخشي هذا الفريق من محاولات إثارة نزاع علي السلطة, أو تقسيم قوي الثورة ما بين منحازين للشعب, ومنحازين للمجلس العسكري. كل المطالب عادلة, وكل المخاوف مشروعة, وقد وجدت كلها طريقا سلميا في التعبير عن نفسها, مما أسهم في إفشال كل المؤامرات, والتدابير, والشائعات التي تحاك ضد مصر, والتي لم تفلح في فصم العلاقة بين الشعب وجيشه, وهي علاقة مبنية علي الثقة, والتاريخ, والدور الوطني! باختصار.. أثبتت جمعة الغضب أن الثورة مستمرة في طريقها دون تخوين, ودون عنف, ودون انقسامات, يبقي أن نعود إلي حالتنا الطبيعية في العمل والإنتاج, وفي الوقت نفسه نتمسك بمطالبنا من أجل مصر أكثر عدالة وحرية.