لا ضرر ولا ضرار أن نحتفل بعيد الحب مع كل شعوب العالم برغم كونه عيدا مستوردا, لاناقة لنا فيه ولا جمل, ولكن الضرر والضرار أن يحظي هذا العيد المستورد بمراسم وطقوس وعادات واهتمامات تفوق كثيرا أعيادنا الوطنية. وتلك هي القضية التي من الأهمية أن تطرح للمناقشة والمراجعة, من منطلق أننا أصحاب وبناة حضارات وثقافات غير مسبوقة في التاريخ, وما كان لها ان تتحقق علي أرضنا في غياب عبقرية الانسان المصري وعبقرية المكان, هكذا كانت شخصية مصر وشخصية الشعب المصري حيث تجلي علي مر العصور حب المصريين لمصر في أعلي صوره وتجلياته, ويكفي هنا الرجوع الي كتابات المفكرين والعلماء والمؤرخين والجغرافيين المصريين والأجانب بشأن معاني الحب العديدة والمتنوعة, ويكفي الإشارة هنا إلي أن رائعة ليلي ومجنونها سبقت تاريخيا رائعة شكسبير روميو وجوليت, وحكاية حب ليلي والمجنون هي في الأصل حكاية مصرية عربية أشار اليها وأكدها د.طه حسين في كتابه المعروف في الشعر الجاهلي, وتحولت في وقت مبكر الي أشهر الأغنيات, فقد لحنها محمد عبد الوهاب وغناها مع أسمهان.... الخ الخ. نحن إذن لدينا من تراث الحب الكثير ويبقي علي الجيل المعاصر أن ينقب في تاريخه عن وقائع وأحداث ومناسبات عديدة ترتبط بمعاني الحب بديلا عن واقعة عيد الحب التي لاناقة لنا فيها ولا جمل عندما قام الامبراطور الروماني كلاديوس وسجن, ثم أعدم القديس الروماني فالنتين يوم14 فبراير عام270 قبل أو بعد الميلاد, وكان السبب الرئيسي مخالفة هذا القديس لتعليمات الامبراطور حيث دافع عن حق الشباب في الزواج والحب ليتفرغوا لشئون الحرب الدفاعية. وما أحوجنا إلي إعادة النظر في أجندة أعيادنا الوطنية مقارنة بالأعياد العربية, وكذا الأعياد الدولية ونحن نحتفل نحن شعب مصر المحروسة علي مدي العام بعشرات الأعياد الدينية والوطنية والعربية, ولم تنبع تلك الأعياد من فراغ وإنما من قلب صفحات كفاح هذا الشعب الطويل والمتصل وهي ليست أعيادا محلية مظهرية عارضة, ومن ثم فلابد وأن تحظي أحداثها التاريخية باهتمامات وسائل الإعلام المحلية والقومية حتي لا تلقي تلك الأعياد عملية تعتيم لدي الجيل المعاصر. ويكفي هنا الإشارة إلي أن أجندة أعيادنا في مصر القديمة كانت ترتبط ارتباطا حياتيا بالطبيعة والتطور المجتمعي والحضاري مما دفع المؤرخ القديم والشهير( هيرودوت) الي الاهتمام بها حيث أوردها باستفاضة في كتاباته التاريخية, ولا عجب أن الباحثين في التاريخ يعتبرون هيرودوت في هذه الحالة المصدر الوحيد لقراءة تاريخ الأعياد المصرية, ولعل المسئولية التي يجب ان يتحملها الجيل المصري المعاصر هي ربط أعيادنا في مختلف العصور القديمة والوسطي والحديثة برؤية موضوعية واعية وفي نسيج إعلامي ثقافي يؤكد التواصل بين الأجيال وينشط ذاكرة الجيل المعاصر بموروثات الانسان المصري علي مختلف العصور, وسوف نجد أصالة الحب التي صنعت الوحدة الوطنية وروح الفداء التي دفعت كل الأجيال للتطوع دفاعا عن مصر في مواجهة كل الحملات الاستعمارية القديمة والوسيطة, والجيل المعاصر لايزال يعيش تداعيات انتصار6 اكتوبر1973 باعتباره انتصارا لإرادة الانسان المصري في المقام الأول, ولاتزال روح اكتوبر تسري مسري الدم في عروق كل مصري حتي الآن, وتأكيدا لهذا فمن الضروري ان يولي الخطاب الإعلامي ورسالة الثقافة والمنهج التعليمي أهمية متزايدة لوضع ملحمة تحرير سيناء في سياقها التاريخي من ناحية( تأكيدا لتواصل وترابط حلقات التاريخ الوطني) وفي سياقها المعاصر من ناحية أخري كمشروع قومي يرتب مسئوليات علي كل الأجيال جيلا وراء جيل. وفي هذا السياق التاريخي من الأهمية أيضا ألا تنفرد كل محافظة من محافظاتنا بالاحتفال بعيدها القومي دون مشاركة المحافظات الأخري حيث تترابط وتتلاحم أعياد الكثير من المحافظات بعضها مع البعض الآخر, وعلي سبيل المثال فإن احتفال محافظتي الدقهلية ودمياط بيومي8 فبراير, و8 مايو عام1250 ليس ملكا مقصورا عليهما فقط, بل إنه ليس مقصورا علي مصر وحدها, حيث أنهت معركة المنصورة الحملات الصليبية علي الأمتين العربية والإسلامية, واستطاعت المدينتان كسر الروح الصليبية الاستعمارية الغربية التي سادت القرن ال13, ومن تداعي معركة المنصورة ودمياط تقلص ظل المملكة الصليبية في الشام وبيت المقدس بعد ذلك وهكذا تبدو أعياد محافظاتنا وكأنها أعياد للأمة العربية والإسلامية كلها, ومن ثم فإن انفراد كل محافظة بإحياء عيدها القومي دون مشاركة مختلف المحافظات يعني التقليل من وحدة التاريخ المصري من ناحية, ومن وحدة التاريخ العربي من ناحية أخري. ومن هذا المنطلق تبدو أهمية تنشيط الذاكرة الوطنية لهذا الجيل لتأكيد ان حب الوطن أرضا وكيانا وسماء هو أعلي مراحل الحب.