منذ بدايتها تدخلك رواية سر الخطاط إلي عالمها الخاص عبر مجموعة من التفاصيل الصغيرة التي نسجها مؤلفها بحرفية مدهشة لتعكس زخم الحياة في دمشق فتتجول بك في حواري المدينة و أزقتها لتشم رائحة التوابل الممزوجة بروائح القهوة الصباحية, وتسترق السمع خلف الأبواب الموصدة إلي حكايات نساء دمشق و أهلها لتتعرف علي الإشاعة ومسارها وكيف تبدأ القصص في دمشق فتقع أسيرا لسطوة الحكاية التي تقوم علي غواية فعل النميمة الذي يمارسه الجميع في دمشق. وتكتشف كيف تأخذ شائعة هروب امرأة منعطفا آخر وكيف كانت بدايتها غريبة, لكن دون نهاية, وكيف كانت ألسنة الرجال تتناقلها من مقهي إلي آخر وكيف حملتها ألسنة النساء من تجمع إلي آخر, وكيف كانت الحكاية تتغير كلما انتقلت من لسان إلي لسان لتروي قصة حب مستحيلة في مجتمع غير متسامح إذا ما اقتربت من تابوهاته الدينية والاجتماعية. نورا امرأة جميلة يقودها حظها العاثر أن تتزوج من أحد أشهر الخطاطين بدمشق حامد الفارسي ذي الخلفية الدينية الإسلامية المحافظة الذي تأثر بظروف نشأة قاسية جعلته بعيدا عنها مفضلا عمله عليها ومهووسا به طامحا في أن يقوم بثورة تطوير في الخط العربي ليتوافق مع الطرق الحديثة, وتنتهي الزيجة بمأساة حين تقرر الزوجة الشابة الهرب من زوجها الذي يسئ معاملتها مع شاب مسيحي يعمل مساعدا لدي زوجها ويبدأ المحيطون بحامد الفارسي بدفعه إلي الانتقام لشرفه, فيوحون إليه بأن السبب الرئيسي في دفع زوجته إلي الهرب منه هو غوايتها من قبل زير نساء شهير في دمشق; فيقدم الزوج الغيور علي قتل زير النساء ويسجن, ليشعر بعد ذلك بأن الفرصة قد أتته أخيرا ليتفرغ في السجن لمشروع إحياء فنون الخط العربي الذي عاش حياته يحلم بتحقيقه. في تلك الرواية يكشف رفيق شامي عن عشقه لدمشق محاولا تسجيل كل تفصيلة تتعلق بالمدينة وكأنه يريد أن يوثقها حتي لا تضيع من ذاكرته بعد عمر طويل قضاه خارجها و لم يستطع أيضا الإفلات من غرامه وولعه باللغة العربية والخط العربي علي الرغم من كون أغلب أعماله تصدر بالألمانية, كما تزينت عناوين فصول الرواية برداء الخط العربي. قدم شامي عبر روايته معمارا روائيا متماسكا لا يخل من التفاصيل التي تدعمه لينقل طبيعة الحياة اليومية في الأحياء الشعبية بدمشق وكواليس مهنة تراثية أصيلة, مقتربا من تابوهات ومساحات محرمة في موروثنا الاجتماعي ليعكس كيف يتعامل المجتمع الشرقي معها. ورفيق شامي هو روائي سوري ولد في العام1946 بدمشق, وهاجر إلي ألمانيا عام1971, حيث نال درجة الدكتوراه في مجال الكيمياء العضوية المعدنية, وفي العام1982 قدم رفيق شامي استقالته من عمله ليتفرغ تماما للكتابة الأدبية. كما صدر له العديد من الأعمال باللغة الألمانية ومن بينها الجانب المظلم من الحب, التقرير السري عن الشاعر الكبير غوته, حكايات من معلولا, رحلة بين الليل والنهار, حكواتي الليل, جبل الجليد الملتهب, في القلب دمشق,وغيرها من الروايات والكتب الأخري. وقد حصل شامي علي العديد من الجوائز الأوروبية, خاصة أنه يعتبر واحدا من أهم الكتاب في ألمانيا وترجمت رواياته إلي أكثر من24 لغة. تأليف: رفيق شامي ترجمة: انثيا بيل صدر عن دار النشر الجامعة الأمريكية