لماذا لا يتحول حبنا لبلدنا الذي عبرنا عنه بتلك الاحتفالات في الشوارع والميادين في وجداننا الي طاقة عمل وعطاء تنهض بهذا البلد وتنتشله من مشكلاته المزمنة وأزماته العديدة؟ لماذا انتشر الفساد في ربوع الوطن إذا كنا حقا نحمل هذا الحب الجارف الذي تفجر عندما فزنا ببطولة الأمم الإفريقية للمرة السابعة؟!. ما هو مفهوم الحب لدينا, وأين تبعاته المفروضة؟!. إذا كانت هذه المشاعر المتأججة تعبر عن حب حقيقي لمصر فلماذا لا نري مردود هذا الحب علي أعمالنا وأدائنا الوظيفي وواجباتنا تجاه بلدنا, وسلوكياتنا سواء في الشارع والأماكن العامة أو تجاه بعضنا بعضا؟!. لماذا نضن علي مصر بجهدنا في مختلف المجالات, وتأخذنا الأثرة بعيدا عن الهم العام ومصالح الوطن, ولا تلقي منا هذه الحبيبة التي نتغني باسمها ونردده عاليا في المناسبات الرياضية سوي الجحود والسلبية وعدم الاكتراث بأمراضها العليلة؟! فلنكن صادقين مع أنفسنا.. هل المشاعر التي تفجرت في قلوب المصريين فرحا بهذا الإنجاز الرياضي تعبر عن حب حقيقي وموضوعي لمصر, أم أنها مجرد فورة عاطفية ناتجة عن عشق المصريين لكرة القدم, وفرحتهم الغامرة بفوز منتخبهم الكروي؟ أم أنها مجرد هروب مؤقت من هموم ومشكلات الحياة اليومية بصعابها وأزماتها, وكأنها مخدر يسكرنا عما حولنا من واقع بائس ومتأزم أو تنفيس عن كبت المعاناة الحياتية, وانتهاز أي نصر رياضي لإطلاق مشاعر الفرح والسعادة التي أصبحت الحياة في مصر تضن بها علي الناس؟. ثم.. لماذا بات التعبير عن حبنا لهذا الوطن مختزلا أو محصورا في تشجيع فريقنا الوطني للكرة؟! لماذا يتضاءل حلم الوطن حتي أختزل في مجرد الوصول لنهائيات كأس العالم؟!! في حقبة الستينيات كان السد العالي وتحقيق النهضة محور الحلم القومي للأمة, وفي السبعينيات كان نصر أكتوبر وتحقيق السلام محور هذا الحلم. لماذا لا يكون حلمنا اليوم طموحا فنتطلع الي يوم نحقق فيه تقدما علميا وصناعيا نتمكن به من تصنيع السيارة والطائرة والأجهزة الكهربائية المتقدمة؟. ولماذا لا يرتفع سقف أحلامنا وطموحاتنا ونحن نمتلك ثروة من العقول العلمية النابهة والعلماء الواعدين لنتطلع ليوم نتمكن فيه من إطلاق قمر صناعي مصنوع في مصر بصاروخ صنعته الخبرة والسواعد المصرية؟. لقد حققت الهند 900 مليون نسمة هذا الإنجاز العلمي والتكنولوجي الهائل برغم أنها أكثر فقرا منا, لماذا لا نحلم باليوم الذي تحقق فيه مصر الاكتفاء الذاتي من القمح والمحاصيل الاستراتيجية؟ وباليوم الذي نري فيه جامعاتنا أو بعضها في صدارة تصنيفات المؤسسات العلمية الدولية المرموقة لنقول في تيه للعالم أجمع ها هي مصر العظيمة التي نرددها اليوم لمجرد أننا أحرزنا انتصارا في الكرة!! إن مصر التي نفخر بها حقا هي التي تحقق النصر والتفوق في ميادين العلم والتعليم والطب والهندسة والبناء والتشييد والاقتصاد والزراعة والأدب والفن والسياسة لتسترد مكانتها التاريخية والحضارية, وتعود بحق درة الشرق. إن حب الأوطان يعني إدراك وتحمل مسئوليات وتبعات هذا الحب وإلا أصبح مجرد زبد عاطفي يأتي مع أمواج المشاعر المنفعلة ثم يتلاشي بعد انتهاء الحدث ويذهب جفاء. محمد سعيد عز