نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    شهادة تقدير ودرع المحافظة.. أسوان تكرم الخامسة على الجمهورية في الثانوية الأزهرية    تنفيذي الشرقية يُناقش خطة استثمارية ب1.14 مليار جنيه لتحسين الخدمات بالمراكز والمدن    وزير البترول يلتقي وفدا رفيع المستوى من شركة شل العالمية    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    انقسام بين قادة الاتحاد الأوروبي بعد إعلان ترامب عن الاتفاق التجاري الجديد    أطباء بلا حدود: حالات الإسهال المائي ترتفع مجددا في جميع أنحاء اليمن    «أكسيوس»: مسؤولان إسرائيليان يصلان واشنطن لبحث ملفي غزة وإيران    حجز محاكمة متهمين بوفاة لاعب كاراتيه بالإسكندرية لجلسة 22 سبتمبر للنطق بالحكم    أحمد حسن يكشف مفاجأة بشأن مستقبل حسين الشحات مع الأهلي    دون خسائر.. السيطرة على حريق بمحل مأكولات شهير في المنتزه بالإسكندرية    تكريم 30 طالبًا من أوائل الثانوية العامة في القاهرة بديوان عام المحافظة    انهيار لطيفة بالبكاء أثناء تقديم واجب العزاء ل فيروز في نجلها زياد الرحباني (فيديو)    فى يومه ال 11.. "برنامج اليوم" يتابع فعاليات مهرجان العلمين بدورته الثالثة    "فتح" تُثمن دعوة الرئيس السيسي ومواقف مصر الداعمة لفلسطين    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض الوضوء؟ الإفتاء تُجيب    هل وجود مستحضرات التجميل على وجه المرأة يُعد من الأعذار التي تبيح التيمم؟ الإفتاء تجيب    في اليوم العالمي لالتهاب الكبد.. الوشم والإبر يسببان العدوى (الأعراض وطرق الوقاية)    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    البحيرة: قافلة طبية مجانية بقرية الأمل وأرياف أبو المطامير ضمن جهود العدالة الصحية غدا    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    بنك مصر يوقع بروتوكول تعاون مع دوبيزل لدعم خدمات التمويل العقاري    طريقة عمل التورتة بمكونات بسيطة في البيت    اندلاع حريق فى أحد المطاعم بمنطقة المنتزه شرق الإسكندرية    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    عمار محمد يتوج بذهبية الكونغ فو فى دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    موسكو تبدأ رحلات مباشرة إلى كوريا الشمالية وسط تراجع الخيارات أمام السياح الروس    ضعف المياه بشرق وغرب بسوهاج غدا لأعمال الاحلال والتجديد بالمحطة السطحية    قرارات هامة من الأعلى للإعلام ل 3 مواقع إخبارية بشأن مخالفة الضوابط    تجديد حبس متهم بقتل سيدة وسرقة 5700 جنيه من منزلها بالشرقية بسبب "المراهنات"    السيسي: قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة مساعدات في الإيام العادية    لمواجهة الكثافة الطلابية.. فصل تعليمي مبتكر لرياض الأطفال بالمنوفية (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    البربون ب320 جنيهًا والقاروص ب450.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم في مطروح    وزير الأوقاف: وثِّقوا علاقتكم بأهل الصدق فى المعاملة مع الله    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    الفنان محمد رياض يودع السودانيين فى محطة مصر قبل عودتهم للسودان    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    وزير الصحة: مصر الأولى عالميا في الحصول على التصنيف الذهبي بالقضاء على فيروس سي    محافظ المنيا: إزالة 744 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    الهلال الأحمر المصري يواصل دعمه لقطاع غزة رغم التحديات الإنسانية    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    هل ستفشل صفقة بيع كوكا لاعب الأهلي لنادي قاسم باشا التركي بسبب 400 ألف دولار ؟ اعرف التفاصيل    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    طرائف الانتقالات الصيفية.. الزمالك وبيراميدز كشفا عن صفقتين بالخطأ (صور)    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    الكرتي يترك معسكر بيراميدز ويعود للمغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مياه النيل‏..‏ بين صناعة الأزمات السياسية وفشل نظام مبارك
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 05 - 2011

من المؤكد أن الأجواء النفسية والسياسية المحبطة التي سادت في السنوات الطويلة في ما قبل الثورة الشعبية المصرية والتي أثرت علي علاقات مصر والسودان من ناحية‏,‏ ودول حوض النيل من ناحية أخري, كانت إحدي حلقات سلسلة التوترات المصطنعة منذ أن بدأت مصر ثورتها الأولي عام52 وأخذت خطوات فعلية في التوجه الي العمق الافريقي ومنذ أن بدت القاهرة كعبة لحركات التحرر الأفريقية ومنبعا ملهما للحرية والاستقلال.. والمؤكد أيضا أن الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة التي نعيش وقائعها الآن جاءت كنتيجة حتمية لإخفاقات مصرية وأخطاء في حسابات المكاسب والخسائر والرؤية الاستراتيجية التي تحولت الي رؤية ذاتية لحلقة ضيقة من المصالح الخاصة أدت الي الابتعاد عن العمق الاستراتيجي والتحول الي الغرب وأمريكا تاركة الفناء الخلفي والمجال الحيوي المصري لمن يريد أن يلعب ويخرب أو أن يستثمر ويجني الثمار حتي لو علي حساب المصلحة القومية المصرية العليا.
{{ كثيرة هي أوجاع هذا الوطن الذي ظل يئن تحت ظلم نخبة حاكمة ظنت ان مصر قد دانت لهم وارتمت تحت أقدامهم طوال30 عاما.. لا احد منهم كان مستعدا لسماع اي صوت سوي صوت أنانيته وانفراده بالقرار.. لا احد كان مستعدا للعمل من اجل مصر وإنما كان جل همهم كيف يجمعون الثروات وكيف يخططون للبقاء جاثمين علي صدور الشعب الطيب.. وبينما كانت الزراعات تحترق في نهايات الترع, كانت قصور الطريق الصحراوي مشيدة علي بحيرات اصطناعية من المياه الجوفية الرصيد الاستراتيجي للحياة علي بر مصر.
وبينما لاحت في الأفق ملامح أزمة مائية حادة راحت تروج لها الحكومة بعد فشلها الذريع علي مدي10 سنوات في إدارة مفاوضات الاتفاقية الإطارية الجديدة لتنظيم استخدامات مياه النيل بين دول حوض النيل.. وبعيدا عن حماس القيادة السياسية للتقارب مع دول أفريقيا بشكل عام ودول الحوض وإثيوبيا بشكل خاص بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها عام1995, كانت البيروقراطية المصرية الشهيرة وحدها تدير الأزمة, وتمر السنوات بطيئة دون اي تقدم في نقاط الخلاف الثلاث التي شكلت5% فقط من بنود الاتفاقية, وهي النقاط الخاصة بجماعية الموافقة علي اي مشروعات جديدة علي النهر في دول المنبع والأمن المائي والحقوق المائية التاريخية.
وتفجرت المفاجأة ووقعت اثيوبيا وكينيا واوغندا وتنزانيا علي الاتفاقية بينما امتنعت الكونجو وبورندي التي عادت ووقعت في أولي أيام الثورة المصرية لتضع الاتفاقية علي طريق التنفيذ بعد مصادقة البرلمانات.
وبعيدا عن الشخصيات والرموز المصرية التي كانت طرفا أساسيا في خلق الأزمة حول هذه الاتفاقية, حاولت الاقتراب من دهاليز أقدم مدرسة للري في العالم وهي المدرسة المصرية التي تضم عددا من اكبر الخبراء في الشأن المائي الافريقي والمصري.. ومع هؤلاء الذين يحيطون بكل صغيرة وكبيرة عن الأزمة وملابساتها وخفاياها وكواليسها, أمضيت أياما أحاول أن افهم ما هي الحقيقة ؟.. وهل بالفعل مصر تدخل بهذه الاتفاقية الي منطقة الخطر والفقر المائي ؟.. إلا أن الخوف من الاضطهاد في أخريات أيامهم جعلني التزم أمام هؤلاء الخبراء بعدم الاقتراب من شخوصهم والاكتفاء بشهاداتهم وتقديمها حية الي رئيس الوزراء القادم من ميدان التحرير الدكتور عصام شرف قبيل أن يبدأ زيارته التاريخية الي إثيوبيا.. لعل وعسي يكون علي بينة من حقيقة الأمر.
ففي خمسينات القرن الماضي ومع بداية مشروع النهضة المصرية الحديثة علي يد الزعيم جمال عبد الناصر الذي كان واضحا في بدايات عصره مدي إيمانه بالعمق الافريقي, ومع الخطوات الجادة نحو بناء المشروع العملاق' السد العالي' الذي أصبح فيما بعد أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين علي مستوي العالم.. وفي أجواء الحرب الباردة, وبسبب المساهمة السوفييتية الجادة في مشروع السد بعد أن تخلت أمريكا والغرب والبنك الدولي عن تمويل المشروع بسبب تجرؤ عبد الناصر وتحديه للشروط الأمريكية بالانخراط في حلف بغداد, بدأت الولايات المتحدة مشروعا للتعاون مع اثيوبيا في دراسة إنشاء33 مشروعا مائيا لتوليد الطاقة والزراعة.
وفي تلك الفترة سادت نفس الأجواء السياسية والنفسية حول قطع مياه النيل عن مصر التي تسود حاليا, وان ظلت هذه المشروعات مجرد أفكارا علي الورق لا تجد طريقها للتنفيذ بسبب عدم جدواها الاقتصادية وعدم الحاجة الفعلية إليها أو تكلفتها العالية جدا.
وفي سبعينات القرن الماضي وبينما انقلبت الموازين وتحولت السياسة المصرية الي الولايات المتحدة بعد الانقلاب السياسي الذي قاده الرئيس الراحل أنور السادات بعد نصر أكتوبر عندما حول دفة السفينة المصرية الي الشاطئ الامريكي, بينما اتجهت إثيوبيا الي الاتحاد السوفييتي, أيضا سادت نفس الأجواء, وهدد الرئيس السادات بحرب عسكرية لضمان استمرار سريان مياه النيل وعدم المساس بقطرة مياه واحدة, بينما هدد منجستو رئيس الوزراء الاثيوبي في ذاك الوقت بتحويل مياه النيل الي نهر من الدماء.
لا شئ يعلو فوق مشروع التوريث
والآن جاء وقت المرحلة الثالثة من سلسلة تحويل مياه النيل الي مادة للابتزاز السياسي والاقتصادي, ولكن هذه المرة تبدو في الصورة وفي الخلفية مجموعة من الدول في مقدمتها اسرائيل التي تحلم بالهيمنة علي المنطقة بكاملها وقيادتها في ظل الغياب المصري الكامل عن الساحة الافريقية, في ظل غياب رؤية واضحة وفي ظل منظومة فاسدة وجهت كل الطاقات الي مشروع التوريث العفن الذي كان علي أتم الاستعداد للتضحية بكل المقومات الأساسية للدولة المصرية وطأطاة الرأس والتخاذل أمام كل الأطماع الإقليمية والدولية في سبيل الحفاظ علي حكم العائلة..
{{{ وليس من الصعب اكتشاف ان الضجة المثارة حول الاتفاقية الإطارية لمياه النيل لم تكن سوي كونها الوجه الآخر لمظاهر فشل السياسات المصرية في احتواء الأشقاء في الفناء الخلفي, بل والتعالي عليهم وازدراءهم والاستخفاف بكل ما يمكن أن يؤدي الي تنمية حقيقية في هذه البلدان وبما يعود بالخير علي مصر من خلال المشروعات المشتركة سواء علي مستوي مياه النيل أو الاستثمارات الزراعية الضخمة التي انقضت عليها دول الخليج والصين وإسرائيل, وغيرها من الاستثمارات في هذه الدول الغنية بمواردها والفقيرة من حيث عدم القدرة علي الاستغلال الأمثل لهده الموارد.
نظرية هيرست وزيادة إيرادات النهر
والمفاجأة الطريفة أن سد الألفية الذي أثار كل هذه الضجة, سوف يعمل بطبيعة الأمور علي زيادة إيرادات مصر والسودان من المياه.. لماذا ؟
الإجابة بسيطة جدا حيث أن عملية البخر في بحيرة هذا السد ستكون اقل من معدلات البخر في بحيرة ناصر بسبب استمرار هطول الأمطار علي اثيوبيا وانعدامها تقريبا فوق أسوان, ويؤدي ذلك الي زيادة كمية المياه الواصلة الي أسوان عبر النهر.. وطبقا للنظرية التي وضعها العالم البريطاني' هيرست' في النصف الأول من القرن العشرين والتي يطلق عليها' التخزين القرني' فان اي عمليات لتخزين المياه في اي مكان سواء في المنابع أو المصب لابد أن تؤدي بالضرورة الي زيادة متوسط الإيراد السنوي للنهر.. وبالمناسبة, فقد كان هذا العالم موظفا في قطاع مياه النيل بالحكومة المصرية, وعلي أساس نظريته هذه الشهيرة بني السد العالي.
وفي أسوأ الفروض فان سد الألفية سوف ينشئ بحيرة تبلغ سعتها الإجمالية16 مليار متر مكعب منها3 مليارات متر' مياه ميتة' اي تقع تحت منسوب بوابات التصريف.. وعلي ذلك فالتفاوض يكون حول أسلوب ملء البحيرة الذي قد يستغرق3 سنوات بحيث لا تؤثر هذه العملية علي تدفق المياه الي مصر.
الرأي السائد الآن بين الخبراء والمتخصصين هو أن الاتفاقية الإطارية الجديدة لم تكن تستحق كل هذه الضجة, وإنها ليست سوي إحدي أوجه الابتزاز السياسي لمصر الذي يقف وراءه عدد من القوي الشريرة التي تتربص بالمصير المصري وتريد ان تبقي علي حال هذا الوطن ضعيفا مستكينا متخاذلا.. وبكل الأسف فقد وقع النظام السابق في الفخ وابتلع الطعم, ووسط استغراقه في تحقيق مصالحه الخاصة أضاع عشر سنوات كاملة في مفاوضات وهمية أضاعت هيبة الدولة المصرية وفرص السيطرة علي الموقف.
هناك الامطار فقط.. تكفي!
دعونا نقرأ بعض الحقائق المهمة التي توضح أن هذه الأزمة ما هي إلا ضجة مفتعلة كان يجب التعامل معها منذ البداية بالمزيد من التعاون وليس بالمواجهات والتصعيدات والتعالي.
كميات الامطار المتساقطة علي دول حوض النيل العشر تبلغ7 آلاف مليار متر مكعب سنويا, منها1660 مليار متر مكعب هي حجم المياه المتساقطة علي الأجزاء التي تشكل نهر النيل في هذه الدول, ومن هذه الكمية550 مليار متر مكعب تسقط علي أجزاء من الست دول التي تشكل دول الهضبة الاستوائية وتصب في النيل الأبيض الذي يمثل15% من حجم المياه التي تصل الي مصر.. وهناك
550 مليار متر مكعب أخري تسقط علي أجزاء من اثيوبيا وتدخل الي إيرادات انهار السوباط والنيل الأزرق وعطبرة وجميعها تشكل85% من حجم المياه الواصلة الي مصر.. أما بقية الكمية فتسقط علي حوض بحر الغزال في جنوب السودان ولا يصل منها اي شئ الي مصر.. ويبلغ اجمالي المياه التي تصل الي أسوان84 مليار متر مكعب.
** هناك نوعين من مياه الأمطار.. الأولي: المياه الخضراء وهي اجمالي كميات الأمطار المتساقطة علي دول الحوض.. والثانية: المياه الزرقاء وهي تلك التي تتجمع من الأمطار وتأخذ طريقها الي النيل.. الفارق بين هذين النوعين من المياه ينقسم الي عدة أقسام:
قسم يشكل المراعي الشاسعة داخل هذه الدول.
قسم يشكل بحيرات فيكتوريا وكيوجا والبرت وجورج ادوارد.
قسم يشكل غابات استوائية.
قسم يشكل غابات سافاري حيث حدائق الحيوان المفتوحة.
قسم تتشكل منه الزراعات المطرية التي تنتج الغذاء الرئيسي للشعوب التي تشمل الموز والذرة والكاسافا وهو نبات متوسط الطول جذوره عبارة عن درن يجمع ما بين صفات البطاطا والقلقاس ويتم تجفيفه ثم طحنه ليتحول الي دقيق.. وفي دول البحيرات الاستوائية كينيا وتنزانيا واوغندا ورواندا وبورندي والكونجو تتكون وجبة الإفطار من ال' فوفو' وهي الذرة المطحون, أما وجبة الغداء يطلق عليها اسم' ماتوكي' وتتكون من الموز والبروتين عبارة عن اسماك ولحوم.. أما في اثيوبيا فالوجبة الأساسية هي' التف' وتتكون من نبات يشبه السمسم الذي يتم طحنه ويصنع منه خبزا يسمي انجيرا يؤكل مع' الكتفو' وهو اللحوم النيئة المفرومة أو مع الدواجن.
في اثيوبيا وحدها120 مليون رأس من الماشية منها40 مليون رأس بقر و40 مليون رأس غنم وماعز.
من ذلك يتضح أن الحياة في دول حوض النيل لا تعتمد علي مياه النيل في شئ وإنما علي الزراعات المطرية والمراعي الطبيعية, بينما في مصر يأخذ النيل مجراه وسط الصحاري ويمثل شريان الحياة الرئيسي حيث لا بديل عنه.
ورغم ذلك الغني المائي الفاحش في دول حوض النيل فلابد من الأخذ في الاعتبار أن خمس دول من هذا الحوض تقع ضمن قائمة افقر عشر دول في العالم وهي تنزانيا وبورندي واثيوبيا والكونجو واريتريا.
نحن إذن أمام مشكلة إدارة موارد مائية هائلة وليست مشكلة ندرة مياه واحتمالات تناقص كمياتها لسبب أو لآخر.. ففي عام1878 كان الفيضان عاليا ووصل الي أسوان150 مليار متر مكعب, وفي عام1914 كان عاما للقحط حيث وصل اسوان43 مليار متر فقط.. وبين هذين التاريخين كانت كميات المياه تتأرجح مابين الفيضان والقحط.
فيكتوريا تفيض الي مصر والسودان
ونعود للوراء قليلا لنجد انه في عهد الملك فاروق في عام1949 أسهمت مصر في بناء سد' أوين' علي مخرج بحيرة فيكتوريا في أوغندا وهي اكبر بحيرة مياه عذبة في العالم ومساحتها اكبر من بحيرة ناصر10 مرات.. الهدف كان تنظيم خروج المياه من البحيرة وضمان إيراد مصر وتوليد الكهرباء لأوغندا.. الاتفاقية الخاصة بهذا السد نصت علي تصريف كميات معينة من المياه من البحيرة تتوقف علي منسوب المياه فيها.. ورغم ذلك فقد اضطرت أوغندا خلال العشر سنوات الأخيرة الي تصريف70 مليار متر مكعب زيادة عن الكميات التقليدية منها35 مليارا ذهبت الي مستنقعات جنوب السودان و35 مليارا الي السد العالي.
ومع بناء خزان أسوان في بداية القرن العشرين والذي تمت تعليته مرتين لتصل طاقته التخزينية الي5 مليارات متر مكعب, ومع بناء السد العالي ووصول الطاقة التخزينية للسد مع الخزان الي162 مليار متر مكعب, تغيرت جغرافية أفريقيا وجغرافية نهر النيل, بينما بقي مستوي الفكر السياسي كما هو بدون تغيير يذكر.. وكانت النتيجة أن تلاعبت بعض القوي الاقليمية بملف المياه لصالحها بالوقيعة بين دول الحوض وانزلاق السياسة المصرية الي مستنقع الخلافات.
خطايا لابد من الاعتراف بها
{{{ في بداية الألفية الثالثة ولدت مبادرة حوض النيل مع عودة الكلام في اثيوبيا عن دراسات لإنشاء أربعة سدود هي كرادوبي وبيكوابو ومندايا وأخيرا سد الحدود مع السودان الذي يعرف باسم سد الألفية أو النهضة.. وبعد الثورة المصرية الشعبية ومع الإقرار بأن ثمة أخطاء جوهرية قد ارتكبتها الدولة والدبلوماسية المصرية في حق العلاقات المصرية الأفريقية علي مدي الأربعين عاما الماضية بمجرد أن اختفي الزعيم جمال عبد الناصر, ومع ظهور فكرة الدبلوماسية الشعبية التي قامت وفودها بزيارات الي دول حوض النيل.. اكتشف المصريون من خلال الاستقبالات الحميمية أن شعوب وحكام دول حوض النيل أكثر اشتياقا الي الأخ المصري الكبير الذي غاب عنهم كثيرا وان الأزمة كانت نفسية أكثر منها اي شئ آخر حقيقي, وكأن الثورة المصرية كانت طوق النجاة الي شعوب حوض النيل للخروج من مأزق الاتفاقية الإطارية وتداعياتها السلبية.
وقبل أن اختم لابد من الإشارة السريعة الي خطايا السياسات المصرية التي عايشها
كبار الخبراء المائيين المصريين خلال فترات عملهم الطويلة في هذا الملف والذين اجمعوا علي أن هذه الخطايا أدت الي الإساءة البالغة لعلاقات مصر مع دول حوض النيل.
البطء في اتخاذ القرارات الخاصة بالتعاون الثنائي.
استبعاد الخبرات المتراكمة في هذا الملف وإحلال مجموعة من الهواة في تولي الملف في العديد من الوزارات المعنية.
عدم وجود روح الفريق المتجانس والمنظم.
استخدام ملف النيل كمادة للابتزاز السياسي والظهور الاعلامي.
حجب قرارات المستويات الأعلي عن المسئولين المباشرين عن إدارة الملف
بل وتسفيه آراء هؤلاء المسئولين وعدم توصيلها للقيادات السياسية.
المعاملة غير اللائقة للمسئولين الأفارقة علي كل المستويات.
اختلاق المشاكل بين مصر ودول حوض النيل.
تخفيض العمالة السودانية بالهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل والري المصري بالسودان وكذا تخفيض موازنة الهيئة التي تم اعتمادها من الحكومتين.
اختيار وزراء ليسوا علي دراية كافية بتفاصيل الأمور الفنية.
الاستعانة بشخصيات ليست لها قبول لدي الشخصية الأفريقية بالغة الحساسية.
{{{ هكذا يكفي ؟.. وهل نفهم ونبدأ عصرا جديدا يتناسب مع عظمة الثورة الشعبية ونقاءها وإلهامها لكل شعوب العالم ؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.