أي منصف ومتابع لحركة الأزهر الشريف الآن, يجد أن الدور الرائد لهذه المؤسسة الدينية والثقافية الكبري قد بدا واضحا للجميع, وتأثيره بات منبرا لوسطية الاسلام, كما كان في الماضي البعيد مؤثرا في صنع اتجاه معتدل وحكيم ليس في العالم الإسلامي وحده, ولكن في كل العالم, يعترف بالوسطية كمنهج حياة شرعه الدين الحنيف, وأصبح اليوم في قلب الأحداث فاعلا جيدا وواعيا ومؤثرا, وليس مفعولا به كما كان في عصور قريبة, وليست مبالغة أن الأزهر الطيب ليس هو الأزهر في بعض الفترات السابقة. وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر, عالم صاحب فكر يحرك الأحداث ولاتحركه, يتخذ القرار الصائب ومعه وكوكبة من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في الوقت المناسب.. يوجد ومعه المؤسسة الدينية كلها في قلب أي موقع يحتاج المؤسسة الدينية, والمنصف والمتابع الجيد سواء من أهل الاختصاص أو حتي العامة يدرك جيدا النتيجة الطبيعية لوجود الأزهر في الساحة, وهي حل المشاكل, وتدارك المواقف, وبالتالي تحقيق السلام الاجتماعي الذي هو أحد الأدوار المنوطة بالأزهر الشريف. ولعل العالم كله أدرك قيمة الأزهر وعلمائه, واستشعر أهميته في توضيح حقيقة الإسلام السمح المستنير والمعتدل من خلال مواقفه المعروفة محليا وإقليميا وعالميا.. وهو ماتحقق في عهد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الذي بالفعل وليس بالقول أعاد هيبة الأزهر, بل والمؤسسة الدينية كلها. ويكفي أنه أول شيخ للأزهر في العصر الحديث وافق بصراحة وشجاعة علي انتخاب شيخ الأزهر بعد استعادة هيئة كبار العلماء,وأنه هو الذي قرر تشكيل لجنة علي مستوي عال لإعادة النظر في قانون الأزهر الشريف, وإعادة أوقافه, واختار لرئاسة تلك اللجنة المستشار طارق البشري الذي ارتضي جموع المصريين رئاسته للجنة تعديل الدستور. وأظن أن الاتفاق العام هو أن الإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب قد ورث تركة ثقيلة بعد تراجع دور الأزهر داخليا وخارجيا.. ورغم مرور عام واحد فقط علي تعيينه شيخا للأزهر, الا أنه حقق الكثير من الإنجازات في الأزهر الشريف جامعا وجامعة, لم يحتكر لنفسه الرأي والقرار عملا بقول الله تعالي فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لاتعلمون, فاختار نخبة من المستشارين للاحتكام اليهم والأخذ برأيهم كل في اختصاصه في أمور المؤسسة الدينية, ومن أبرز هؤلاء الدكتور محمود العزب مستشار الإمام الأكبر لحوار الأديان, والذي ترك عمله كاستاذ متخصص في الدراسات الاسلامية بالجامعات الفرنسية, والدكتور محمد السليماني استاذ الثقافة الاسلامية بالجامعات الفرنسية الذي يعمل كجندي مجهول في الرابطة العالمية لخريجي الأزهر التي يوليها الدكتور احمد الطيب أهمية كبيرة لجمع علماء الأزهر وخريجيه من جميع قارات الدنيا ومن مختلف المذاهب علي كلمة سواء لخدمة الإسلام والمسلمين ونقل رسالة الأزهر الشريف للدنيا كلها. وإذا كانت رياح الثورة قد امتدت الي جميع قطاعات الوطن, فهي لم تكن بعيدة عن فكر الإمام الأكبر والأزهر ذاته, فقد كان حاسما ومنصفا وهو يصدر أول بيان وصف فيه شباب الثورة الذين انتقلوا الي جوار ربهم بالشهداء واستمر ومعه المؤسسة الدينية كلها داعما لهذه الثورة وأفكارها, ومشجعا لشبابها.. آخذا بيدها لتصل الي بر النجاح. وحين برزت التيارات الاسلامية علي الساحة بعد25 يناير, وتبع ذلك هجوم إعلامي علي بعض هذه التيارات, وحالات الجدل التي أثارتها دعاوي تغيير المنكر باليد, وسرت المخاوف من حالة الانفلات الفقهي والفكري بادر الإمام الأكبر بإجراء اتصالات مع جميع التيارات الإسلامية, سياسية ودعوية, لعقد لقاء تحت راية الأزهر الشريف بهدف توحيد الخطاب الديني والدعوي ومن هنا كانت تلك اللقاءات مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين, ثم الداعية السلفي محمد حسان وكرم زهدي وناجح ابراهيم عن الجماعة الإسلامية وغيرهم والتي ربما لم يدرك البعض هدفها الجامع وهو توافق الفكر الديني علي مصلحة الوطن قبل أي مصلحة ويمهد لذلك بمؤتمر كبير. وفي نفس التوقيت تواصلت جهود الإمام الأكبر, فجاءت مبادرة بيت العائلة التي أطلقها لمواجهة الفتنة الطائفية, وضمت في عضويتها كبار رجال الدين الإسلامي والمسيحي, وتعد طوق نجاة لدرء شرور وأخطار الفتنة الطائفية التي تهدد بحرق الوطن. إن الآمال كلها معقودة الآن علي الازهر العظيم وعلي شيخه الجليل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ومعه المؤسسة الدينية كلها, لان المهام وخطورة الأحداث تحتاج كل الجهد لدرء الفتن وتوحيد الجهود واستعادة المكانة الطبيعية للأزهر إقليميا ومحليا وعالميا.. إنه الازهر الذي لم يكن يوما مؤسسة دينية فقط.. إنما منهج كامل للحياة.