لقد استطاعت مصر طوال تاريخها أن تعيد صياغة دوائر نفوذها الإقليمية دون التأثير على تحالفها الاستراتيجى مع القوى العالمية، وكان الاهتمام بالدائرة الأفريقية بارزا منذ عهد الدولة المصرية القديمة ومروراً بمحمد على ومن بعده الخديوى إسماعيل لتصل إلى الذروة مع الرئيس جمال عبد الناصر. والأرجح أن صورة مصرية مقدسة فى الذهنية الأفريقية، فهى رحلات بلاد بونت التى أرسلتها الملكة حتشبسوت عبر البحر الأحمر لتعظيم حجم التبادل التجارى، وهى محمد على والخديوى إسماعيل الذى كافح تجارة الرقيق فى أفريقيا، كما أنها سعد زغلول وجمال عبد الناصر قائد حركات التحرر الوطنى. غير أن نظام الرئيس السابق الذى هيمن على مقاليد الحكم عنوة على مدار عقود ثلاثة عمل على تفكيك الصلات التى ربطت مصر بمحيطها الأفريقى، فثمة نظرة خاصمت العقل والمنطق كان ينظرها النظام السابق للقارة السمراء على اعتبار أنها تنتمى إلى الدول قليلة الأهمية إضافة إلى النظرة الأمنية فى إدارة ملف العلاقات مع دول حوض النيل الذى يشهد إلى الآن خللا جسيما. وفى سياق متصل كان الحضور المصرى فاتراً فى معظم القضايا والتنظيمات الإقليمية فى القارة، إضافة إلى تراجع النفوذ فى القضايا الحيوية مثل الصومال و دارفور وجنوب السودان، وما يجرى حول القرن الأفريقى إضافة إلى الفشل فى إيجاد موضع قدم لها فى دول الساحل والصحراء. على جانب أخر تجاهل النظام السابق بناء علاقات وطيدة مع القوى الأفريقية الصاعدة والمؤثرة فى قضايا القارة مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا، والكونغو، وهو ما سمح بالتمدد الإسرائيلى فى هذه البلاد وتزايد نفوذها الاستراتيجى. غير أن روح الثورة المصرية الجديدة التى جاء بها شباب مصر ورجالها الأوفياء قد أنعشت آمال المصريين فى استعادة أمجادهم التاريخية من أجل اكتساب مزيد من النفوذ والسيطرة فى القارة السمراء. ويسعى المصريون الجدد إلى التخلى عن الصورة النمطية الجامدة التى ميزت التقاليد السياسية الخارجية حيال أفريقيا فى عهد النظام المخلوع، خصوصا وأن الخارجية المصرية تنتهج اليوم سياسة أكثر نزوعا للاستقلال وأقل ارتباطا بالولايات المتحدة والغرب. ويبدو واضحا أن ثمة عملية إعادة هيكلة للسياسة الخارجية المصرية تسير بخطى معقولة تجاه أفريقيا، بالنظر إلى كون القارة ثمة تمثل عمقا استراتيجيا لمصر وفناء خلفياً لها، وهو ما يتطلب تسريع وتيرة الرؤى المشتركة حيال مختلف القضايا، ودعم المواقف والحقوق الأفريقية فى المحافل الدولية إضافة إلى الشروع فى بناء مشاريع اقتصادية واستثمارية مشتركة تضيف إلى الاقتصاد المصرى الذى يعانى أزمة شديدة، خصوصا أن أفريقيا ما زالت بها العديد من الأسواق البكر. المهم أن تولى د. نبيل العربى حقيبة الخارجية خلفا لموظفها المخلوع أحمد أبو الغيط يتوقع له أن يثمن العلاقات مع أفريقيا إضافة إلى أعطاها دفعة قوية باتجاه التطور والتحديث، لاسيما وأن العربى رجل سياسة بارز وصاحب خبرة واسعة فى إدارة الملفات السياسة المعقدة. المزيد من مقالات كرم سعيد