تعد عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أهم انتصار رمزي للولايات المتحدة في حربها الكونية المستمرة ضد ما يسمي بالإرهاب. ولا شك أنها تشكل نقطة تحول نوعية في العمليات الاستخباراتية, ونجاحا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تتبع المعلومات وتدقيقها ومسارات حركة واختباء الرجل الأيقونة للمنظمات الإسلامية السياسية الراديكالية, والذي تحول في وسائل الإعلام الغربية إلي شيطان رجيم, أسندت إليه جميع مجازات الشر علي اختلافها, وخاصة بعد ضرب أيقونات القوة الكونية للولايات المتحدة, ورموزها الكبري- مبني التجارة العالمي, والبنتاجون- في عملية كشفت عن عبقرية الخيال والعقل والتخطيط الإرهابي, والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة آلاف قتيل من الأبرياء. مذاك وفي عمليات إرهابية أخري أخذت مجازات الشر تتناسل وتتكثف وتنسج حوله ليغدو في الإدراك والوعي الغربي والكوني شبه الجماعي بمثابة الشر ذاته! في ضوء هذه العملية الكبري, تثور عديد الملاحظات يمكن رصد بعضها فيما يلي: 1- إن الولاياتالمتحدة تتحمل بعضا من المسئولية السياسية والأخلاقية في نشوء بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية, وذلك في إطار توظيفها للقوة التعبوية الهائلة للديانة الإسلامية في مواجهة القوات السوفيتية السابقة في أفغانستان, واستمرت منذئذ الدائرة الأفغانية/ الباكستانية ومنطقة القبائل علي الحدود بينهما, بمثابة بيئة حاضنة وملاذات آمنة للإسلام الراديكالي الذي امتد إلي عديد المناطق الجيوسياسية والجيودينية في عالمنا المعولم. في البدء انطلق الإسلام الراديكالي ذو الوجوه الإرهابية في مواجهة النظم السياسية التسلطية في المنطقة العربية كمصر, والسعودية والمغرب والسودان, واليمن. تأثرت الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية وتطوراتها التنظيمية والعسكرية بالعامل الأفغاني, وأشكال التدريب والتخطيط للعمليات واختيار الأهداف الرخوة أو الرمزية للعمليات بحيث تحقق أقصي درجات الخوف والترويع النفسي والسياسي علي المستوي الكوني. 2- إن الولاياتالمتحدة في حربها الكونية علي الإرهاب, وظفت تنظيم القاعدة, وبن لادن والدكتور أيمن الظواهري, في تبرير عمليات احتلال أفغانستان, والعراق, واستمرارية سياساتها في هذا الصدد علي نحو أدي إلي تقويض الدولة والنظام السياسي البعثي السابق, وتحول العراق إلي أبنية القوة والمجموعات الأولية العرقية والقومية والدينية والمذهبية والمناطقية علي نحو أدي إلي زيادة النفوذ الإيراني, والسوري داخل تركيبات القوة العراقية, والأخطر فتح أبواب الحضور القاعدي والسلفي الجهادي في داخل العراق. امتد هذا الحضور اليقظ إلي اليمن, والمغرب وفي قطاع غزة, وفي مناطق أخري. 3- إن النظم التسلطية والديكتاتورية العربية استخدمت تنظيم القاعدة وشبكاته, والجماعات الإسلامية السياسية, وجماعة الإخوان المسلمين وكأنهم جميعا شيء واحد أو كتلة دينية متجانسة إيديولوجيا كفزاعة سياسية داخلية وخارجية, علي الصعيد الداخلي استخدمت الفزاعة الإرهابية والدينية في رفض الطلب الاجتماعي والسياسي علي التطور الديمقراطي, وضرورة سيادة دولة القانون, واحترام الحقوق والحريات الأساسية والمحاكمات العادلة والمنصفة أمام القضاء الطبيعي. استخدم نظام الرئيس السابق حسني مبارك فزاعة الإسلام السياسي والإرهاب في قمع المعارضات الإسلامية والقوي الديمقراطية واستمرارية قانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية, والإعلام الرسمي التعبوي الذي استخدم في القمع الإيديولوجي والرمزي للقوي الديمقراطية عموما, وفي التستر علي الاستبداد والفساد ومشروع توريث السلطة. ترتب علي فزاعة الإرهاب الإسلامي في المنظور السلطوي للأنظمة المعتدلة! تنسيقات أمنية واستخباراتية وسياسية واسعة النطاق, بل وتحولت زنازين المعتقلات إلي مراكز لتعذيب متهمين بالإرهاب أرسلتهم أمريكا للحصول علي الاعترافات والمعلومات من خلال آليات تعذيب تنتهك حقوق المتهمين في مرحلة التحقيق. علي المستوي الدولي استخدمت النظم الفزاعات الإرهابية ذات السند الديني لنشر الخوف من البدائل السياسية الإسلامية المنظمة وذات القواعد الاجتماعية الشعبية, ومن ثم لعب نظام مبارك ومعه نخب تسلطية وعائلية أخري في المنطقة قدموا أنظمتهم الاستبدادية علي أنها المدافعة عن الغرب والأقليات الدينية والعرقية, والبديل الأفضل والأكثر وفاء للمصالح السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدةالأمريكية في الإقليم الشرق أوسطي. 4- إن الإنجاز الاستخباراتي الأمريكي البارز, لا يعدو أن يكون نفسيا بامتياز ليشكل رمزا للانتصار الأمريكي علي الإرهاب, ومن ثم لا يعني قتل بن لادن نهاية تنظيم القاعدة, ولا نهاية ما يسمي بالحرب الكونية علي الإرهاب. ثم احتياج أمريكي داخلي وعلي مستوي البيئة النفسية/ السياسية للمواطنين الأمريكيين, وكذلك داخل الجيش الأمريكي, وأجهزته الاستخباراتية, وكذلك ستؤثر علي اتجاهات المواطنين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية القادمة لصالح باراك أوباما إذا لم تحدث متغيرات أو عمليات إرهابية مؤثرة علي أهداف داخل الولاياتالمتحدة أو خارجها, وما قد يؤثر سلبا علي هيبتها الدولية والرمزية. 5- إن متابعة حالة تنظيم القاعدة وشبكاتها وخلاياها والجماعات السلفية الجهادية, كانت تشير إلي بعض من التراجع في الفترات الأخيرة كنتاج للاستراتيجيات الكونية والإقليمية والوطنية في مواجهة المنظمات والعمليات الإرهابية, باستثناء بعض العمليات التي تمت في منطقة المغرب الأقصي, ومنها عملية مراكش الأخيرة, وعمليات خطف بعض المواطنين الغربيين الفرنسيين في موريتانيا.. إلخ. والسؤال الذي يثور هنا, هل ستؤدي هذه العملية الاستخبارية الأمريكية إلي تخفيض العنف الإرهابي الكوني, ومن ثم إضعاف تنظيم القاعدة علي المستوي الكوني, أم ستكون أحد الدوافع المحركة لموجة إرهابية عاتية؟ من الصعوبة بمكان الجزم بسيناريو واحد محدد, وإنما يمكننا طرح عديد السيناريوهات المحتملة علي النحو التالي: 1- قيام تنظيم القاعدة بتحريك وتنشيط بعض خلاياها للقيام بعمليات انتقامية في عديد المناطق في ذات التوقيت علي نحو ما تم في تفجير سفارتي أمريكا في شرق إفريقيا عام.1998 ومن الممكن أن تكون مجموعة عمليات مؤثرة ومروعة تمتد إلي أهداف حادة, أو ناعمة تؤدي إلي إعادة إنتاج الهيبة لتنظيم القاعدة. 2- عمليات ضد عناصر استخباراتية وسياسية حكومية باكستانية, كتعبير عن الثأر مما يقال عنه خيانة باكستانية ضد زعيم القاعدة والتنظيم. 3- تحريك عناصر قاعدية أو سلفية جهادية للقيام بعمليات داخل بعض الدول العربية أو الإفريقية أو الآسيوية انطلاقا من اليمن ضد السعودية وبعض دول الخليج, ومن الممكن توقع عمليات ضد ناقلات النفط أو في بعض الممرات الدولية, أو عمليات اختطاف رهائن غربيين. من الممكن توقع عمليات ضد بعض المحلات الكبري لبيع السلع الاستهلاكية أو تقديم الخدمات للجمهور, وخاصة في موسم الاصطياف في باريس, أو لبعض المنتجعات الأوروبية.. إلخ, هذا نمط يؤدي إلي إشاعة الرعب والخوف علي نحو يؤثر علي موسم الاصطياف والسياحة في فرنسا, أو إسبانيا أو إيطاليا, أو بريطانيا.. إلخ. أو التريث لحين التخطيط لعمليات تحتاج إلي وقت لتحقيق المفاجأة والاستفادة من بعض الاسترخاء الأمني الذي قد يحدث بمرور الوقت. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح