مفاجأة كبيرة قتل بن لادن بعد فترة متعمدة من الصمت من قبل مسئولي الإدارة الأمريكية تجاه أفعال القاعدة وتحركات زعيمها المقتول ومفاجأة كبيرة أيضا ان نجد بن لادن يعيش علي الأرض الباكستانية وبالقرب من العاصمة وفي أحد التجمعات السكنية المحصنة, في حين كل ما كان ينشر ربما بدافع التمويه كان يركز علي البحث عن بن لادن في المنطقة الجبلية الوعرة في الحدود الباكستانية الأفغانية والمفاجأة الأكبر أن تتم العملية علي الأرض الباكستانية بنجاح كامل دون أن تدري الحكومة الباكستانية شيئا. وأيا كانت المفاجأة في التوقيت أو في طريقة التنفيذ, فعلينا أن نعترف بأن قتل بن لادن في عملية استخبارية عسكرية نوعية نقطة تحول كبري في سياسة الرئيس أوباما تجاه تنظيم القاعدة وما يعرف أمريكيا بالحرب علي الإرهاب, فقد كانت العملية ذات مستوي عال في التقصي والرصد والهجوم والتنفيذ وتحقيق الهدف المبتغي, وهو قتل الرأس الكبير, دون أي إصابات في القوة المهاجمة, فضلا عن أخذ الجثة وحين تظهر أبعاد العملية والجهود التي بذلت فيها سيتضح الي أي حد هو الإصرار الأمريكي علي النيل من بن لادن باعتباره قائد التنظيم الأخطر في العالم والذي يشكل مصدر التهديد الأول للأمن الأمريكي وفقا لما جاء في وثيقة التوجهات الإستراتيجية الأمريكية قبل عام ونصف. بذلك يمكن للرئيس أوباما أن يفتخر بأنه حقق مزيدا من الأمن لبلاده ولمواطنيه وللعالم أيضا, ويمكن أن يفتخر أيضا بأن سياساته التي استهدفها الجمهوريون لفترة طويلة وبدت لوهلة ضعيفة وذات ثغرات في مواجهة تنظيم القاعدة الارهابي, لم تكن كذلك, بل هي سياسة ناجعة ومؤثرة. عملية اغتيال بن لادن تعد ضربة كبيرة للتنظيم بكل المقاييس, فالرجل ليس مؤسس التنظيم وحسب, بل هو المحرض والملهم لأعضاء التنظيم الذين كانوا يبايعونه شخصيا علي المكره والمغنم, وهو صاحب الأيديولوجية الجهادية العنيفة تجاه كل من هو غير مسلم حتي نهاية العالم أو أن يسلم كل من في الأرض. كانت الضربة الأولي للتنظيم قد تمثلت في الحرب التي شنها الرئيس بوش نهاية2001 علي أفغانستان وأدت الي الإطاحة بنظام طالبان وأنهت إمكانية أن يجد تنظيم القاعدة ملاذا آمنا وحرا كما كان الوضع في أفغانستان قبل غروب زمن طالبان, ومن ثم تبعثر التنظيم وفقد قوته التنظيمية وتحول إلي شبكة من التنظيمات والمجموعات الصغيرة المتناثرة في عدد كبير من البلدان وعدد من الخلايا النائمة التي تؤمن بأفكار بن لادن وتعمل علي إصابة المصالح الأمريكية في أي مكان وبأي طريقة كانت حين تسنح اللحظة المناسبة. بقتل بن لادن تفقد هذه الشبكة أيضا زعيمها الروحي وتفقد الرمز الذي كانت تلتف حوله تستمد منه طاقة الفعل العنيف, ومن ثم سوف يزاد حجم التبعثر والتشرذم لهذه المجموعات, والأرجح أن يكون أيمن الظواهري هو البديل, باعتباره الرجل الثاني في التنظيم وباعتبار دوره التاريخي في إنشائه نهاية العام1998, غير أن الرجل يواجه بعقبات, من أهمها أنه لا يمثل مركز استقطاب بل هو نقطة خلافية بين قادة التنظيم نفسه أو بالأحري من تبقي منهم, فضلا عن كونه لا يتمتع بنفس المواصفات الكاريزمية التي كان عليها بن لادن, كما أنه لا يملك الموارد المالية التي توافرت لابن لادن. وقد رأينا أخيرا أن البيانات التي يصدرها الظواهري ويحلل فيها أوضاع العالم الإسلامي أو يحرض فيها علي عمل إرهابي أو يهدد فيها المصالح الأمريكية والغربية لم تعد تمثل أية قيمة, ولم تعد تستقبل إعلاميا بنفس الزخم الذي كانت عليه قبل عام أو عامين فقد انحسر الضوء منذ فترة خاصة أن الكثير من الجماعات الإسلامية في العالم العربي بدأت تندمج في الحياة السياسية في بلدانها, والكثير منها راجع أساليب العنف وفضل العمل الدعوي السلمي عن العمل الحركي العنيف. والمرجح هنا أن قتل بن لادن, وحينما تتكشف جميع أبعاد عملية الرصد والتقصي وجمع المعلومات الاستجاربة, سوف يدرك من تبقي من قادة القاعدة أنهم أيضا معرضون للقتل تماما كزعيمهم المغدور, وانه مهما كانت إجراءات التأمين التي يتبعونها فهي أيضا قابلة للانكشاف والاختراق, ولذا فالاحتمال الأكبر في المرحلة المقبلة مباشرة أن يهتم هؤلاء بالاختفاء وبزيادة وتشديد الإجراءات الأمنية حفاظا علي حياتهم وأيا كان الزعيم الجديد المنتظر فإن مهمة الإبقاء علي التنظيم ولو في صورة شبكة من الجماعات الصغيرة المتناثرة, ستكون مهمة عسيرة بكل المقاييس, تماما كما ستكون إعادة بلورة رؤية جهادية عنيفة جديدة مسألة مشكوكا فيها, لاسيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية الجارية, خاصة في العالم الإسلامي الذي لم يعد يقبل مثل هذه التنظيمات ولا يتعاطف مع أعمال العنف, ويؤمن بأن تنظيم القاعدة وأفعاله المختلفة كانت وبالا علي العالم الإسلامي بأسره, ولم تكن من الدين الإسلامي في شيء, وان ضررها لا حدود له. لقد قتل بن لادن, وحقق أوباما انجازا كبيرا سوف يكون له دور كبير في إسكات معارضيه وفي جذب مزيد من الأصوات لإعادة ترشيحه مرة ثانية فعبر سياسة جمعت بين التفرقة بين الإسلام كدين يدعو الي التسامح والوسطية والاعتدال, وبين التنظيمات الإرهابية العنيفة, كسب الرئيس أوباما قدرا من الاحترام في العالم الإسلامي, كما كسب أيضا أرضية لم تكن متوافرة لسابقه وأمكن من خلالها تجفيف الكثير من عوامل الارتماء في أحضان التنظيمات العنيفة. بيد أن الحكمة تستدعي عدم الفرح تماما, فهذا الأمر لا يعني انتهاء تهديد القاعدة تماما, فالصحيح أن الخطر تقلص حجمه, ولكنه يظل موجودا, والمحتمل أن يعمد أحد التنظيمات الفرعية إلي تنفيذ عملية ضد إحدي المصالح الأمريكية أو ضد أحد الحلفاء لإثبات أن التنظيم موجود, وأن خسارة الزعيم لا تعني نهاية التنظيم والغالب أن تكون عملية ذات طابع استعراضي, ولو بعد زمن حين تقل فيه الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها غير أن الخطر علي المدي البعيد أصبح أقل ما يمكن.