أحيانا لا أفهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور عصام شرف, ويحدث عندي نوع من الشوشرة الذهنية: هل الدكتور شرف رئيس مجلس وزراء مصر كلها أم رئيس وزراء شباب الثورة؟! وسبب السؤال هو اقتراح الدكتور شرف إلي أعضاء ائتلاف شباب الثورة بأن يكون لهم مكتب دائم في مجلس الوزراء, وأن يختاروا بعضهم ليعينوا مستشارين له.. هل فيكم أحد يفهم: ما السبب الفني والسياسي لهذا العرض؟! فياتري: أي نوع من المستشارين يريد الدكتور شرف من ائتلاف شباب الثورة؟!..وهل المستشار يعين حسب الحاجة أم حسب الأوضاع السياسية في البلاد؟! صحيح أن ائتلاف الشباب رفض, وهذا موقف رائع, يمكن أن نشكرهم عليه, وإن كنا نختلف معهم علي أسباب الرفض, فهم رفضوا لأنهم حسب قولهم نحن جزء من المعارضة ولسنا جزءا من النظام, وكنت أتصور أنهم رفضوا, لأن الاقتراح غامض وغير واضح المهام والتكليفات, كمن يشتري أربعة إطارات مقدما ثم يبحث لها عن سيارة تركب عليها! وقد قيل فيما قيل إن هدف المكتب الدائم في مجلس الوزراء هو مراقبة أداء الحكومة دون ان يفسر لنا القائل: أي مراقبة وبأي حق؟! وما هي نوع السلطة الحاكمة التي تعرض علي مواطنين لا يختارهم الشعب كله بالانتخاب الحر المباشر بأن يكونوا رقباء عليها؟ ما كل هذا الضعف؟ بالطبع سيخرج علينا واحد خبيث من هؤلاء الجدد الذين اخترعوا جهازا حديثا متعدد الوظائف, يقيس درجة الوطنية, ويحسب معدل تلوث الدم بفيروسات النظام السابق, ويحدد مدي ثورية المواطن ونوعها: هل هي ثورية أصيلة من ميدان التحرير, أم هو من الثورة المضادة في ميدان مصطفي محمود؟ وقد يختصر الوقت ويصرخ من أول لحظة: هذه أسئلة مدسوسة من بقايا العصر البائد لصناعة الفرقة والانقسام بين الثورة ورئيس الوزراء القادم من ميدان التحرير! وأقسم بالله..لا هذا ولا ذاك..هيمجرد فكرة مجنونة طقت في دماغ مواطن يعمل بالكتابة وعاش أكثر من نصف عمره يطالب بإسقاط النظام في مقالات منشورة في ثلاث جرائد ذات ملكيات متعددة: خاصة وقومية وحزبية, والملفات موجودة وموثقة.. الفكرة لاحت من خلف سحب كثيفة أمامه علي هيئة سؤال يبحث عن إجابة: من يحكم مصر؟! ولماذا هذا السؤال غير البريء في هذا التوقيت؟! ببساطة حتي أستفهم منه مثل جدي القديم لفلاح الفصيح: هل الذي سقط هو رئيس الجمهورية وحاشيته أم سلطة الدولة المصرية وهيبتها أم الاثنان معا؟! ما يحدث ويجري يشي بأن سلطة الدولة وهيبتها سقطتا أولا ثم تبعهما رئيس الدولة وحاشيته, وقد يكون هذا مقبولا وعاديا جدا خلال الثورة وبعدها بعدة أسابيع, فأي ثورة لا يمكن أن تنجح دون أن تسقط سلطة الدولة أولا, لأن هذه السلطة هي التي توفر أساليب حماية الرئيس وحاشيته ورجاله ومؤسساته. لكن أن يدوم سقوط سلطة الدولة إلي الآن..فهو منتهي الخطورة. وقد اختبرت سلطة الدولة في مواقف كثيرة..وهزمت شر هزيمة, علي الأخص في موقفين في غاية الدلالة: الموقف الأول في قنا وهو خروج مظاهرات رافضة لتعيين محافظ مسيحي كان ضابطا في الشرطة تحوم حوله تساؤلات مشروعة..وقد خسرت الدولة هذه الجولة بالضربة القاضية الفنية..وهي خسارة سوف ندفع ثمنها باهظا في قادم الأيام من حياتنا. صحيح أن اختيار المحافظ شابه أخطاء كثيرة, أفدحها كان لكن أساليب الاحتجاج تجاوزت القانون إلي الخروج عليه.. شيء يشرف الحكومة وسلطة الدولة أن تستجيب لناسها وشعبها, وتوقف تعيين محافظ مغضوب عليه شعبيا فهذه هي الديمقراطية, ولكن دون أن يكون السبب طائفيا, أو يخل الشعب بالنظام العام ويرتكب افعالا يجرمها القانون ويصاحبها التهديد والوعيد والتحدي, كقطع الطرق العامة والسكك الحديدية, وإجبار مؤسسات الدولة علي غلق أبوابها كالمدارس.. الخ. هنا يختلف الأمر..وينتقل من خانة الاحتجاج السلمي إلي عالم الجريمة بكل ما تحمله من معان..وقبوله بمثابة تحريض الفئات الأخري علي اللجؤ إلي نفس الأساليب لتنفيذ مطالبهم المشروعة حتي لو كانت رغبات جامحة. الموقف الثاني هو خروج السلفيين في مظاهرات تحاصر الكاتدرائية, وتطال بإطلاق سراح الأسيرتين كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين من الحبس في الأديرة, لأنهما أشهرتا إسلامهما. وهذا عمل من أعمال السيادة ينظمه القانون وليس الشائعات والأقاويل, وقد تكون هذه الشائعات صحيحة, والقانون يحدد إجراءات التعامل مع مثل هذه القضايا, وليس منها إشعال الفتنة الطائفية بحصار الكاتدرائية والهتافات الدينية. وهنا الاستجابة تفتح علي المجتمع كله باب جهنم! إذن من يحكم؟! هل الدكتورعصام شرف رئيس مجلس الوزراء تحت إشراف المجلس العسكري؟ هل ائتلاف شباب الثورة باسم المظاهرات المليونية؟! هل أصحاب الذقون الطويلة والجلابيب القصيرة بالاحتجاجات العنيفة في أكثر من موقع؟! أم هي لعبة توازن قوي بين هذه المجموعات علي حساب المصالح طويلة الأجل وحماية مفهوم الدولة؟! من يعرف الإجابة..يكتبها لنا وله الأجر والثواب والدعاء من كل قلوبنا! المزيد من مقالات نبيل عمر