أتذكر هذا الموقف كأنه قد حدث الآن, ففي احدي ليالي نوفمبر1986 جاءني اتصال تليفوني يحمل دعوة لحضور اجتماع يعقده السيد الرئيس مبارك صباح الغد في قصر القبة. ذهبت وكانت تلك هي المرة الأولي التي أري فيها الرئيس مباشرة وجلسنا( حوالي20 مدعوا من رؤساء المؤسسات الصحفية ورؤساء التحرير وكبار الكتاب) حول مائدة علي شكل حرفu في غرفة صغيرة وكالمعتاد دخن الصحفيون ودخل علينا الرئيس ووجدته ودودا وفي غاية الذوق وسمو الأخلاق, وبدأ الاجتماع وتحدث الرئيس عن البنية الأساسية وأهميتها لمصر ومشاكلنا الاقتصادية.. واستمر الأجتماع حوالي5 ساعات امتلأت الغرفة بدخان تدخين من كانوا يدخنون, واذا بالسيد الرئيس بأدبه الجم يقول لأحد مساعديه لو سمحت افتحوا لنا الشباك شوية.. ولم يشأ الرئيس أن يكسف أحدا من المدخنين أو يقول بطلوا سجاير.. ولكن لماذا أحكي هذه القصة؟! إذ عندما سألته عن معايير اتخاذ القرار الاقتصادي في مصر قال الرئيس: أنا قبل ما أتخذ أي قرار اقتصادي أسأل اذا كان القرار يمس أصحاب الدخول المحدودة والفقراء لا أتخذه مهما كانت التضحيات أو الثمن.. وهذا هو الرئيس الذي لم يبتعد لحظة عن هذا التوجه. الرئيس منحاز لمصر وأرضها وشعبها, والرئيس منحاز اكثر إلي ضعفاء هذا المجتمع وهم محدودو الدخل والفقراء الذين ملجأهم هو الرئيس. ومؤخرا قال الرئيس مبارك بأن الضريبة العقارية لم تحسم بعد. وكنا نتصور أن هذا التوجيه الرئاسي يخضع فورا لدراسة مستفيضة من لجنة متخصصة تشارك فيها الجهات المعنية لدراسة القانون وآثار تطبيقه ويستفيد من كل ما قيل في وسائل الاعلام عن هذا القانون, من خبراء واساتذة بل وقضاة محترمين. غير أن وزارة المالية ماضية في طريق تطبيق القانون. علي أية حال دعونا نعرض وجهة نظر مهمة تحتوي علي الكثير من التعديلات والاقتراحات التي تحسن من تطبيق قانون الضريبة العقارية والتي أعدها المستشار والخبير القانوني احمد أبو هندية بشكل موضوعي خاصة ان الاعتراضات علي القانون بعضها جاء بعلم, ولكن أغلبها بدون علم ومن أشخاص غير مخاطبين أصلا بالقانون فهذه الضريبة تعد من أقدم الضرائب, إذ صدرت عام1883, وكان الخضوع للضريبة يقتصر علي العقارات المقامة داخل كردونات المدن فقط اي أن العقارات التي تقع في المدن الجديدة( التجمع الخامس والسادس من أكتوبر والشروق والعبور وغيرها) والساحل الشمالي( مارينا وهاسيندا والدبلوماسيين وغزالة وغيرها) لا تخضع للضريبة وهو وضع يتنافي مع أبسط قواعد العدالة الضريبة ويحقق خللا في المنظومة الضريبة. ومن المفارقات أن العقارات الخاضعة لأحكام قوانين الايجارات القديمة لن ينطبق عليها غالبا قانون الضرائب العقارية لكونها دون حد الاعفاء المقرر قانونا, وكان من المنطقي وكان من العدل إعادة التقييم لهذه العقارات وفقا لسعر السوق, وعلي أن يتحمل المستأجر الضريبة إن خضع لها فلا يصح أبدا أن يستفيد المستأجر في هذه العقارات من انخفاض القيمة الايجارية ومن تأبيد العلاقة الايجارية دون أن يسهم في حق الدولة والمجتمع.. ولاخلاف علي أن فرض الضريبة علي النحو السابق كان سيسهم في حل أزمة الاسكان, فالساكن غير المستفيد من الوحدة المستأجرة كان سيعيدها للمالك وإلا سدد الضريبة الذي سيعرضها للايجار الجديد فيزيد جانب العرض ولو قليلا, وذلك إلي حين حل أزمة الاسكان حلا جذريا بتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر, وإخضاعها للقانون المدني وإعمال قواعد الشريعة والعدالة. وفي هذا الشأن هناك حزمة من التعديلات المقترحة: وضع الأسس والمعايير التي سيتم مراعاتها عند تحديد القيمة الايجارية للعقارات المبنية في صلب القانون وعلي أن يراعي أن تتضمن مستوي البناء وتكلفته وتاريخ إنشائه ومساحته, وكذلك ضرورة النص علي نسبة العائد علي الاستثمار في صلب القانون وليس كجدول استرشادي يستهدي به والتي ستكون المعيار الحاكم عند تقدير القيمة الايجارية, وكل ذلك لتحقيق العدالة الضريبية وتلافي مشاكل التطبيق العملي للقانون وسهولة تنفيذه, حيث إن القانون في الأساس منصب علي ملكية العقار, وليس علي الدخل ولا علي الصقع. إعادة تقدير القيمة الايجارية للعقارات المبنية طبقا لأحكام هذا القانون كل عشر سنوات, وليس خمسة. إعادة النظر في حد الاعفاء بالزيادة أو النقصان من الضريبة كل عشر سنوات طالما سيتم إعادة تقدير القيمة الايجارية المتخذة أساسا للربط, وليكن بنفس نسبة الزيادة أو النقص في القيمة الايجارية التقديرية. تحصيل الضريبة المستحقة وفقا لهذا القانون علي قسط واحد بدلا من تحصيل الضريبة علي قسطين. رفع نسبة الخطأ في الاقرار الضريبي لتصبح20% بدلا من10%, وذلك حماية للممول وخاصة أنه من المحتمل أن تحدث أخطاء غير مقصودة حيث يحرر الاقرار من الأشخاص العاديين دون الاستعانة بمحاسب. أما بالنسبة للمسكن الخاص فلو تم إعفاؤه من الضريبة نكون قد أفرغنا القانون من محتواه,. والمقترح إعفاء المسكن الخاص الذي يحدده الممول وفقا للضوابط التي توضع في هذا الشأن عند التصرف فيه من الضريبة علي التصرف في العقارات المبنية المفروضة بموجب المادة42 من قانون الضريبة علي الدخل الصادر بالقانون رقم91 لسنة2005, وذلك كاستثناء يضاف للاستثناءات الواردة في ذات المادة. وإن كان هذا لا ينبغي إخضاع أرباح التصرفات العقارية للضريبة. والا فإن اعفاء المسكن الخاص يفتح الطريق أمام التلاعب, فضلا عن ان اعفاء المسكن الخاص يشوبه عدم العدالة والظلم اذ تتفاوت قيم المساكن الخاصة ولايمكن المساواة بين شقة صغيرة وفيلا أو قصر. ولا تزال الكرة الآن في ملعب الحكومة.. ولايزال الناس ينتظرون تحقيق الهدف واصلاح الضريبة العقارية.