قبل الثورة كانت علاقتنا بدول الخليج سمن علي عسل, وبعد الثورة مازالت كذلك, بل ربما أضيف إليها أنواع أخري من الحلويات..هكذا كان انطباعي بعد قراءة تصريحات د.عصام شرف خلال جولته التي شملت السعودية والكويت وقطر الأسبوع الماضي. لم يترك رئيس الوزراء كلمة في قاموس المديح الدبلوماسي إلا واستخدامها لوصف العلاقات من تاريخية الي أخوية وعميقة وراسخة, وهو أمر مبرر ومفهوم بالنظر إلي تشابك المصالح بين الجانبين سواء كانت تتعلق بالعمالة المصرية أو الاستثمارات الخليجية أو التعاون الاقتصادي وغيرها من المجالات. لكن هذه التصريحات الوردية لم تنسنا للأسف الشديد أن الإخوة في الخليج, لديهم وجهات نظر أخري لحال العلاقات مع مصر الآن, كما تبين في التسريبات الرسمية التي ظهرت في عشرات التقارير والمقالات المنشورة بصحف خليجية. الإخوة الخليجيون لديهم تحفظات علي سياسة مصر الخارجية بعد الثورة, وخاصة بشأن إيران, ولديهم تساؤلات عن طريقة التعامل مع الرئيس السابق, وأيضا مخاوف حول مصير استثماراتهم في مصر وقد كان اللغط الذي ثار حول إلغاء زيارة شرف للإمارات مؤشرا علي أن العلاقات ليست كاملة الأوصاف كما يتردد. وليس لدي شك في أن معظم المسائل الخلافية جري نقاشها داخل غرف مغلقة خلال جولة شرف لكن الذي أثار انتباهي وأشعرني بالقلق أن تعاملنا مع أمور السياسة الخارجية لمصر مازال كما هو قبل الثورة فليس هناك شفافية أو مصارحة بل علي العكس هناك ميل للحديث في العموميات, وكانت السياسة الخارجية حكر علي دبلوماسيين محترفين وليس للشعب علاقة بها. بل إن صياغة بيانات الخارجية المصرية مازالت كما هي.. بحث الجانبان العلاقات الممتازة, وهناك تطابق كامل في وجهات النظر, وبالتأكيد فإن الإعلام يأخذ هذه البيانات وكأنها مقدسة لا يمتد إليها قلم بالتعديل أو النقد. كنت أتصور أن قضية مهمة كعلاقة مصر بالخليج تستحق نقاشا لا يحصر هدفه في تجميل الواقع ومراجعة صريحة تبحث مستقبل هذه العلاقة بعد الثورة, خصوصا أن دول الخليج لم تكن متحمسة, حتي لا نقول شيئا آخر, للثورة وتداعياتها. ولإدراك حجم الهوة, يكفي قراءة ما يكتبه صحفيون خليجيون عن تصدير الثورة المصرية علي الطريقة الإيرانية, أو عن أن ما حدث ليس ثورة بل انتفاضة. كنت أتصور أن يتم طرح نتائج هذه الدراسات للنقاش المجتمعي العام الذي كرسته ثورة52 يناير, وأن يرسي مسئولو الخارجية وصناع القرار أسلوبا جديدا أساسه أن السياسة الخارجية من الناس وإلي الناس. كنت أتمني أن نعالج قضايانا الخارجية علي طريقة الديمقراطيات الحقيقية.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!. المزيد من أعمدة عبدالله عبدالسلام