كما كان متوقعا لم تحقق جولة الدكتور عصام شرف الخليجية كل النتائج المطلوبة، وما كان لها ان تحقق في هذا الوقت بالذات كل الاهداف المرجوة، فمعظم دول الخليج مازالت متوجسة من نجاح الثورة المصرية، وهي لا تخفي انزعاجها من الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك ونظامه، ولا تخفي تحفظها على تقديمه هو واسرته للمحاكمة بتهمة اصدار اوامر بالقتل والفساد واهدار المال العام. والمؤكد ان توقيت الجولة جاء في وقت حرج، فالعواصم الخليجية مشغولة الى اقصى درجة باطفاء الحرائق المشتعلة في كل من اليمن والبحرين وسلطنة عمان،وهي تتابع بقلق ما يجري في سوريا وليبيا، وتخشي بطبيعة الحال من انتقال عدوي عدم الاستقرار اليها، وفي يقينها ان الاطاحة بالنظام السابق في مصر هو السبب الحقيقي في كل التداعيات الجارية في المنطقة. والاهم من ذلك ان حكومات الخليج منزعجة من التغييرات المحتملة في سياسة مصر الخارجية، فالقاهرة أعلنت عن رغبتها في اقامة علاقات طبيعية مع ايران، كما اعلنت عن استعدادها لاتصالات مع حزب الله شريطة الا يؤدي ذلك الى التدخل في الشئون اللبنانية، وكان هذا الاعلان بمثابة انقلاب على توازنات وتحالفات استراتيجية قائمة، كما اثار مخاوف خليجية مع ان يكون التقارب المصري الايراني بديلا للعلاقات المصرية الخليجية. ربما يكون للقلق الخليجي بعض مبرراته، وقد يكون فيه شيء من المبالغة، لكنه خيم بظلاله على المباحثات التي اجراها رئيس الوزرء المصري في السعودية والكويت وقطر، وكان واضحا ان المخاوف الخليجية عميقة وحقيقية، كما بدا بوضوح ان هناك قلقا على الاستثمارات الخليجية في مصر، وهي استثمارات هائلة تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، ويواجه بعضها الآن مشكلات قانونية لعدم التزام اصحابها بالعقود المبرمة. وفي محاولته لتهدئة هذه المخاوف أكد شرف حرص مصر على خصوصية العلاقات مع دول الخليج، وانها تعتبر امن الخليج جزءا من امنها القومي، كما أكد التزامها بحماية الاستثمارات الخليجية مرحبا باية استثمارات جديدة تساعد على سد العجز الحالي في الموازنة وقدره 11 مليار دولار، وفي المقابل حصل الرجل على "وعود" خليجية بالوقوف الى جانب مصر، واعلنت قطر عن دعمها الكامل لمصر بعد ثورة 25 يناير ، وتوجت ذلك بالاعلان عن زياة عاجلة يقوم بها أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثان الى القاهرة لاجراء مباحثات مع المشير حسين طنطاوي! ربما يثير الموقف الخليجي في مجمله علامة استفهام كبيرة، لكنه يعكس في الواقع مشكلتين رئيسيتين اولاهما القلق من ان يكون التقارب المصري مع ايران على حساب الدول الخليجية، وثانيهما الموقف المتحفظ من محاكمة مبارك بالنظر الى سنه وحالته الصحية، ولعل هذا مادفع الامارات تحديدا الى تأجيل زيارة شرف التي كانت مقررة الاسبوع الماضي ثم الاعلان عن اجرائها يوم الاحد المقبل . ومن الوارد ان سعي مصر لاستعادة دورها ربما يثير قلقا لدي البعض، فالدور المصري قد يراه البعض تهديدا لأدوارهم، ولعل هذا مادفع شرف للتأكيد في جولته الخليجية على ان مصر لا تريد أكثر من استمرار علاقات التعاون والتكامل وتنسيق المواقف، وان رغبتها في استعادة دورها بالانفتاح شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، لا يعني اكثر من فتح صفحة جديدة مع كل دول العالم. ومن المؤكد ان العلاقات المصرية الخليجية تواجه الآن اختبارا صعبا، فالدول الخليجية بحكم تركيبتها السياسية والقبلية لا تحبذ التعامل مع انظمة ثورية، حدث ذلك من قبل في عهد الرئيس عبد الناصر، وحدث هذا مع ايران عقب ثورتها على حكم الشاه، وحدث ايضا مع العراق حين حاول صدام حسين الاستقواء على دول الخليج، لكن الوقائع على الارض تؤكد ان مصر بعد ثورة 25 يناير تسعي لإقامة نظام حكم دستوري يمد يد الصداقة الى الجميع، ولا يتدخل في الشئون الداخلية للدول الاخرى! فمصر الآن مشغولة باعادة بناء نفسها بعد ثلاثين عاما من الانهيار الشامل، وهي تحاول الانتقال من طور الدولة الشمولية الى الدولة الديمقراطية، في عملية ربما تستغرق سنوات، كما تحاول اعادة بناء اقتصادها على اسس سليمة، والهدف هو اقامة دولة مدنية حديثة تحترم الحريات العامة وتلتزم بسيادة القانون وتداول السلطة، وربما يكون هذا النموذج مزعجا لدي البعض، لكنه في الواقع نموذج يشبه الى حد كبير النموذج التركي. على اية حال تمكنت جولة شرف الخليجية من ازالة كثير من سوء الفهم القائم، وطمأنت اهل الخليج أن تطبيع العلاقات مع ايران لن يكون على حسابهم، مع الاشارة الى ان كل الدول الخليجية تربطها علاقات طبيعية مع ايران، أما فيما يتعلق بمحاكمة مبارك فقد استمر التباين في وجهات النظر رغم تأكيد رئيس الوزراء ان هذه المسالة شأن مصري داخلي يخضع أولا واخيرا لاحكام القضاء. ولعل النجاح الاكبر الذي حققته الجولة كان في الدوحة، التي اعلنت بوضوح وقوفها الكامل الى جانب الشعب المصري، وتفهمها لمطالبه العادلة بالحرية والكرامة والتغيير، ولعل هذا ما عجل بزيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثان الى القاهرة أمس (الثلاثاء) وسط توقعات بحدوث دفعة قوية للعلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين. كل الامل ان تظل العلاقات المصرية الخليجية كما كانت، فالمصريون حريصون على استمرار علاقات الاخوة والتعاون مع "الاشقاء" في الخليج، بحكم اواصر الدم والعروبة والتاريخ والمصالح المشتركة، والامل ان تكون لدي الأشقاء هناك نفس الرؤية، حتى لا تحاول اطراف اخرى الصيد في الماء العكر بسبب خطأ محتمل في الحسابات او تقديرات المواقف ! [email protected]