بكل المقاييس.. الخريطة السياسية تؤكد أن التيارات الإسلامية هي صاحبة الكلمة الأولي في المستقبل, تلك التيارات الوسطية السمحاء المحبوبة والمقبولة من الأغلبية الساحقة والصامتة والرشيدة من الشعب المصري, وأعني بهم الإخوان المسلمين في المقام الأول ثم الصوفية المعتدلة واتباع الجمعية الشرعية والسلفية المستنيرة وليست سلفية الحدود أو الدماء ثم عوام المسلمين والبسطاء منهم.. هؤلاء يشكلون الأسد الهادئ بل والنائم حتي الآن.. كيف.. ؟!.. هذه التيارات المعتدلة لم يطالب فيها أحد بشكل رسمي أو غير رسمي بدولة دينية بل كثيرا ما أكدت أنه لاوجود للدولة الدينية في الإسلام بل ان أقصي ماقيل في هذا السباق أن الدولة في الاسلام دولة مدنية ذات مرجعية اسلامية, ومع ذلك لايكف دعاة التنظير والفلسفة عن إثارة هذه الفزاعة الوهمية والتي لاتضيف الي الناس الامزيد الثقة في هذه التيارات. هذه التيارات الرشيدة لم تطالب أو تعلن أو تؤيد إقامة الحدود لأن مشروعهم الحضاري في مصر أكبر من الحدود ولأن أفقهم السياسي أبعد من هذا, ويدرك تحديات المرحلة ولهذا لم نسمع أن طالبت هذه التيارات بإقامة الحدود بشكل رسمي مع تقديرنا لقداسة الحدود وعدم انكارها, ومع ذلك تجد الأنف الصحفي المزكوم المغرض وليس الوطني يدس نفسه مجتهدا محاولا شم رائحة هنا أو هناك من شخص مجهول أو معلوم يقول نريد تطبيق الحدود, وليكن هذا صحيحا, وليكن هذا رأيه الشخصي, وما أكثر الآراء التي نسمعها بغض النظر عن صوابها أو خطئها.. هل من الحكمة, ومن مصلحة الوطن أن يسارع الاعلام بإشعال هذه النار بإثارتها والتهويل من شأنها أم إخمادها بتجاهلها خاصة أنها تصريحات غير رسمية ولاتشكل ظاهرة, لاشك أن وأد الفتن أولي من الاثارة الصحفية أوالاعلامية, وهذا هو الفارق بين اعلام الرسالة واعلام الاثارة. ان صاحب الأنف الصحفي الوطني وان صاحب الأذن الصحفية الوطنية, من المنشغلين بهموم وطنهم اذا ما استوثقوا من مثل هذه الأخبار الخطأ كالمطالبة بإقامة الحدود ومن شخص معروف, عليهم الحذر وعدم الاسراع في النشر بل مراجعة المصدر وابلاغه بخطورة كلامه علي المصلحة العامة ثم يقرر النشر من عدمه.. هذه رسالة الاعلام كما أفهمها أما التصيد والبحث عن الاثارة واجتزاء الكلام فإن من يفعل هذا كمن يدوس علي ذيل الأسد النائم.. ولكل فعل رد فعل, ماذا عسي الأسد أن يفعل أمام هذه الاستفزازات الا الرد والرد الموجع والذي لن يزيد الوطن الا الفوضي والخسارة! إن الاعلام الرشيد هو منبر الاصلاح الحقيقي وصمام الأمان الفكري لدي المجتمع, وان أصحابه من الصادقين المخلصين في مصاف الدعاة المقربين الي الله ويكفي أن الله قد أقسم بالقلم ومايكتب وما يسطر ن والقلم وما يسطرون وعلي العكس من ذلك فإن الاعلام اذا ما انتكس وبعد عن رسالته كذبا واثارة وزورا فإنه حينئذ كالساحر الذي يفتن الناس ولايزيد صاحبه واتباعه الارهقا. لقد أجهد دعاة التنظير أنفسهم في الصحف والقنوات الفضائية وغيرها في معركة التعديلات الدستورية وحولوها من عرس للديمقراطية يجب أن يحتفي به كل المصريين الي معركة طائفية حقيرة لاوجود لها لاشك أنه كانت هناك أخطاء لكنها ليست خطايا.. ومتي وجد المجتمع والناس وجدت الأخطار لكن الحكمة والعبرة والمصداقية أن يضع الاعلام الخطأ في حجمه الصحيح ولايتجاوزه الي الاثارة والتضخيم, وإلا فالنتيجة ستكون عكسية لأن العقل الجمعي أذكي من الاعلام بكثير, وقد حدث هذا بالفعل في استفتاء التعديلات الدستورية. في المقابل ان التيارات الاسلامية عليها أن تدرك مدي المسئولية التي ألقيت علي عاتقها الآن, وأنها في تحد خطير علي مستوي الداخل والخارج.. وأن زلتها ولو تراها صغيرة هي كبيرة قياسا علي حسنات الأبرار سيئات المقربين وزلة العالم هي زلة أمة بكاملها, من هنا علي الجميع خاصة قادة التيارات الاسلامية مراعاة الدقة وتوخي الحذر في كل ما يقولون ومايفعلون, لأن هناك متربصين بهم, وللأسف هذا ماجبل عليه الاعلام العالمي والمصري.. وقبل أن ألوم من نشر ومن آثار علي أن ألوم من صرح ومن قال. لأن الاعلام الراكض وراء الاثارة لن تجدي معه لغة حسن النوايا وكنت أقصد, وليس قصدي.. وغير ذلك.. ان رؤية الاعلام العالمي والمصري في أغلبه للتيارات الاسلامية رؤية سلبية بحكم الموروث المهني والثقافي الطويل.. يري الاسلام في فئة بلهاء موتورة تطالب باقامة الحد علي سيدة تجاوزت الستين لمجرد وجودها في شقة مسيحي!! أو في هؤلاء الذين قطعوا أذن قبطي أو غير ذلك ممن هدموا الأضرحة والغريب أن يتبني الاعلام وجهة نظر هؤلاء السفهاء ويؤكد أنهم سلفيون كما يدعون في الوقت الذي أكد فيه كبار علماء السلفية أن هؤلاء خارجون عن الاسلام, وأفعالهم ليست من الاسلام, وأن السلفية الحقة تبرأ منهم ومع ذلك يصر الاعلام علي إبرازهم كوجه إسلامي سلفي لمصلحة من هذا ليس لمصلحة مصر ولا لمصلحة الاسلام! بل ان مثل هذا الأسلوب من شأنه اثارة الأسد الحقيقي السلفيين المعتدلين, وقد يوقعهم في الخطأ, وهذا يجعلنا ويفرض علينا أن نذكر الجميع بخطورة المرحلة وتحديات العصر والمسئولية الوطنية المشتركة فلاندوس علي ذيل الأسد الهادئ المستكين بإثارة الفتن والزوابع والطنين, كما اننا نربأ بالأسد أن يفقد صبره وحكمته ويزأر هنا أو ينتقم هناك.