يعيش الكثير من السياسيين الألمان من حاملي الدرجات العلمية الرفيعة كالدكتوراة في حالة قلق دائم هذه الأيام من أن يلقوا مصير وزير الدفاع الألماني المستقيل كارل تيودور فون تسوجوتنبرج . والذي أجبر منذ اسابيع علي التخلي عن كل مناصبه السياسية الحزبية والحكومية والبرلمانية بعد تورطه في عملية غش أكاديمي واسعة النطاق نقل خلالها فقرات كاملة من أبحاث علمية في رسالة الدكتوراة الخاصة به دون الإشارة إلي مصادرها, وهو خطأ كلفه مستقبله السياسي. المثير في الفضيحة التي أحاطت باستقالة وزير الدفاع الشاب والذي كان يتم إعداده ليقود الحزب المسيحي الإجتماعي في المستقبل القريب, لم تكن فقط فصولها الدرامية وإتهامه بالكذب حتي النهاية ودفاع المستشارة الألمانية عنه في البداية بأنها لم تعينه لقدراته الأكاديمية, وإنما الطريقة التي تم بها الكشف عن تزويره عبر موقع إلكتروني إنشئ خصيصا لهذا الغرض من قبل مجموعة من الباحثين والأكاديميين الذين رأوا في أسلوب النقل الحرفي الذي اتبعه الوزير إهانة للبحث العلمي ورأوا في إصراره علي تبرئة نفسه استهانة بعقول المواطنين. والأكثر إثارة كانت المشاركة النشيطة من آلاف المواطنين الألمان عبر الإنترنت في مقارنة رسالة تسوجوتنبرج بالمصادر الأصلية والكشف عن الفقرات المنقولة ونشرها علي الموقع. ثم ما أن أغلق ملف تسوجوتنبرج حتي بدأ هؤلاء الناشطون بمساعدة المواطنين المهتمين في مراجعة الرسائل العلمية لعدد آخر من المسئولين والسياسيين والشخصيات العامة فيما يشبه حملة شعبية إلكترونية المانية لكشف تورطهم في الغش الأكاديمي. الضحية الثانية كانت فيرونيكا زاس ابنة رئيس وزراء بافاريا السابق إدموند شتويبر والتي كشف موقع فيروني بلاج ويكي عن قيامها بنسخ25 صفحة إضافة إلي فصل كامل من رسالة دكتوراة خاصة بمحامية المانية حول سوق الاتصالات ورغم ذلك حصلت من جامعة كونستانس علي درجة الدكتوراة حول نفس الموضوع. وعلمت المحامية الألمانية بالمصادفة البحتة أن نشطاء الموقع الإلكتروني ا كتشفوا أن اكثر من خمسين في المائة من رسالة فيرونيكا منقول حرفيا من رسالتها دون ذكر المصدر. اما الجديد في هذا الكشف هو أن رسالة المحامية لم تكن متاحة علي الإنترنت ما يعني أن إبنة شتوبير بذلت مجهودا في الحصول عليها ونسخ ما بها في رسالتها. ويعني ذلك ايضا أن الناشطين الذين كشفوا هذا النسخ لم يكتفوا بالبحث في ارشيف الشبكة الإلكترونية ومواقع الإنترنت وإنما نشطوا خارجها وإستعانوا بالجامعات ومراكز البحوث. وحاليا تواجه واحدة من ابرز قيادات الحزب الليبرالي ونائبة رئيس البرلمان الأوروبي سيلفانا كوخ ميرين اتهامات مماثلة يتوقع ان يكون لها تأثير علي مستقبلها السياسي بعد أن اكتشف نفس الموقع الإلكتروني قيامها بنسخ ربع رسالتها للدكتوراة حول تاريخ الوحدة النقدية حرفيا من مصادر أخري دون ذكرها.وحصلت علي الدرجة العلمية من جامعة هايدلبرج التي شكلت لجنة تحقيق بناء علي ملاحظات نشطاء الإنترنت. وإزاء هذه الحملة الجديدة لفضح الشخصيات الألمانية يدور نقاش مهم هنا حول أهداف صائدي الإنترنت وهل تدفعهم الرغبة في إسقاط السياسيين وفضحهم فقط أم أنها تهدف لتنظيف البحث العلمي بعد أن أكد اساتذة الجامعات ان ظاهرة الغش الأكاديمي تفاقمت بشكل كبير في المانيا خلال السنوات الأخيرة بين كل الباحثين والدارسين وليس السياسيين فقط وأن أغلب الاطروحات العلمية تتضمن بدرجات متفاوتة حالات من الغش. أغلبية المواطنين الألمان ايدوا في استطلاع للرأي بنسبة66% استمرار هذه الحملة الإلكترونية مع التركيز علي الشخصيات السياسية التي تقع عليهم مسؤلية أكبر تجاه المواطنين. غير أن الدكتور شتيفان فيبر عالم الإتصالات والإعلام وأحد النشطاء يحذر من أن هناك من بين قائدي هذه الحملة من يشعرون بالغبطة لتلويث سمعة الآخرين وإن كانت الأغلبية من الأكاديميين والباحثين الذين اسسوا هذه المواقع قاموا بذلك بعد أن تعرضوا لسرقة جهدهم العلمي وهو نفسه احد هؤلاء, حيث اكتشف حصول ثلاثة باحثين علي درجة الدكتوراة بفضل نقل ونسخ فقرات مطولة من أطروحته. ويري فيبر أنه في السابق كان من الصعب كشف التزوير والغش لأن استاذا واحدا لا يستطيع بمفرده القيام بهذه المهمة التي تكلف وقتا وجهدا اما الآن فبفضل مشاركة قطاع عريض من المواطنين في هذه المواقع وتنسيق جهودها تشكل نوعا من الرقابة الشعبية الإلكترونية المجانية ايضا لمحاسبة الغشاشين. غير أن الجدل الدائر حاليا كشف ايضا عن حساسية ما لدي الجامعات الألمانية التي تواجه بشكل غيرمباشر بالتقصير في مراجعة الاطروحات العلمية التي يثبت تورط اصحابها في الغش. لذا يطالب عدد من الأكاديميين بتعاون منظم بين الجامعات وبين هذه المواقع الإلكترونية وناشطيها في تطوير وسائل الكشف عن التزوير والغش في الرسائل العلمية. من بين هؤلاء ديبورا فيبر فولف استاذة علم الحاسوب في كلية الاقتصاد والهندسة في برلين وهي أحد الذين أعلنوا الحرب علي الغش الأكاديمي منذ عشر سنوات عندما اكتشفت أن ثلث الأبحاث التي يقدمها الطلبة منقول بالحرف من الإنترنت فساهمت في تطوير برامج حاسوب خاصة بالكشف عن مواضع التزوير في البحث العلمي خلال فترة وجيزة. وتكمن المشكلة في أن الجامعات لا تستخدم كلها هذه البرامج لأن لوائحها تختلف من ولاية لولاية المانية اخري, كما أن تعامل المشرفين علي الرسائل العلمية وخاصة الدكتوراة ينطوي علي كثير من حسن النية مع الباحثين وخاصة إذا كانوا من الشخصيات العامة. سياسيا تدخل حزب الخضر وطلب من البوندستاج الألماني وضع معايير صارمة وموحدة في الولايات الألمانية تشمل تعهدا مكتوبا من الباحثين بعدم الغش إضافة إلي توحيد استخدام برامج الكمبيوتر التي تقوم بمقارنة الرسالة موضع الفحص بالمراجع وبنوك المعلومات الرقمية والبحث العلي في العالم وتكتشف الفقرات المتشابهة في دقائق. ولكن حتي هذه البرامج يمكن التحايل عليها, إذا ما قام الباحث بترجمة الأجزاء المنسوخة من مصادرها إلي الإنجليزية ثم إعادة ترجمتها إلي الألمانية فتختلف الصياغة ويفشل الكمبيوتر في كشف الغش!